طالب عبد العزيز
قد لا يُرى الضرر الذي يلحقه الفسادُ بالمواطن البسيط؛ لأنه خارج معادلة المليارات التي تسرق، والتي تضيع في المشاريع الوهمية، وهو(المواطن)قانع، راض، حامدٌ، شاكرٌ ما يتقاضاه من فتات مائدة الرعاية الاجتماعية، الذي لا يتجاوز الـ 300 الف دينار عراقي، لكنه يستشعره، ويتحسسه، في لحمه، وعظمه، ولقمة عياله، عند مراجعته لإحدى مؤسسات الدولة العراقية مثل (التربية، الصحة، المالية ...) هناك، يقع على ما تحدثه آلةُ الفساد فيه.
سيشعر بالضرر ذاك حين يضطر لارسال ابنه الى المدرسة الاهلية، التي تستوفي منه الملايين العريضة؛ لأنه لا يريد لأبنه الصغير، ذي السنوات الست، أن ينحشر في صفٍّ، بمدرسة حكومية، عدد الطلاب فيه أكثر من خمسين، والمقاعد من الخشب والحديد، والمبنى آيل للسقوط، وبلا حنفيات لشرب الماء، ولا دورات صحية، ويشعر به أيضاً؛ حين يضطر الى مراجعة العيادات والمشافي الخاصة، داخل أو خارج العراق، مشككاً أو يائساً من شفائه في المستشفى الحكومي، ودافعاً الملايين والملايين لكي يظلَّ على قيد الحياة لا أكثر، أما نعيمها فقد صار أثراً بعد عين.
أمّا مفردات حياته اليومية، خارج رحى المدرسة والطبيب فحدِّثْ ولا حرج، ذلك لأنَّ وجبة بسيطة في مطعم من مطاعم الدرجة الثانية، صحبة عائلته ستكلفه راتبه كلّه، والويل له إنْ كانت له حاجة رسمية، أصولية في مركز للشرطة، أو دائرة للمرور، أو في التسجيل العقاري، أو الضريبة، أوالميناء أو الحدود أو غيرها عندئذ سيريه الضابط ،والموظف، والمخمّن ما لم يره في حياته. لم يعد الفسادُ وحشاً تعجزُ الحكومة عن مطاردته، لا، هو أعجزَ الحكومات، ثم دخلها من بابها الرئيس، فلا جديد إن قلتَ بأنَّ الموظف الفلاني فاسدٌ، إنما قلْ: أهو غير فاسد؟ ذلك لأنَّ الفسادَ أصبح ثقافة مجتمعية، حتى أنَّه تطامن مع التشريع الديني، وصار الخطباء يتفنون في تمجيده ومديحه على المنابر، لكن، من حيث لا يشعر المواطن المسكين.
يجدُ الخطيبُ، الشيخُ، السيّدُ، المفوّه الحليّةَ المطلقة في السيارة الحديثة، المظللة، المُهداة له من رجل الاعمال، صاحب المسجد الضخم، مع علمه ويقينه بأنه فاسد، مرتش، غارق في المحرمات أجمعها، وما المجون إلّا كلمة التسلية، التي يضحك بها مع أصحابه في لياليه الملاح، كيف لا وقد وجد في مباركة وتزكية الخطيب له الوجاهةَ والحظوةَ والنفوذ. حاجات الناس الى الصحة والتعليم والطعام وسواها تقع خارج عناية الاثنين معاً، وما يتنعمان به من وجاهة ومال ونفوذ نتيجة طبيعية لهذا التخادم، الذي يذكرنا بالمعادلة التي كانت قائمة بين آل الشيخ وآل سعود، وما هذه إلا نسختها العراقية.
المئات من الحسينيات والمساجد والمضافات والدواوين وصالات فنادق الأولى وكازينوهات الـ VIP غالباً ما تخرج عن وظيفتها الأم، فهي اليوم أماكن لعقود المشاريع، وصفقات بيع وشراء الذمم، لتبرير ما لا تبرره السنن وشرائع السماء.
يبيعُ المواطن المسكين سيارته، وأثاث منزله، وهاتفه، وذهب زوجته، ليقايض بثمنها حزمة من الدولارات، لا ليشتري منزلاً جديداً، إنما ليعالج ابنته، زوجته، ابنه، والده، أمّه، نفسه في الجارة المسلمة، إيران، التي لم تعد تقبل منه التومانات، هي تريده أن يدفع بالدولار، فمبيت ليلة واحدة في المركز الطبي الحكومي(كودكان) بمدينة الاهواز بـ 200 دولار، أما كلفة تحليل المختبر والدواء فعليك مني السلام يا أبا عبد الله.









