ليلى يوسال، اسم يستوقفك لعدة أسباب.. الأول أنها امرأة تنافس الرجال في صناعة الساعات الفاخرة، وثانياً أنها تتعامل مع هويتها وإرثها الكرديين كقضية وجودية لتمكين المرأة، بتوفير فرص التعليم ومحاربة الفقر، فضلاً عن مساهمتها في مجال الزراعة التجديدية والتخطيط البيئي، حيث كرّمتها جامعة هارفارد، تقديراً لمشروع تقدمت به عن الزراعة التجديدية في مسقط رأسها.
تعيش ليلى حالياً في الولايات المتحدة الأميركية، حيث تحقق ذاتها وكثيراً من النجاحات. لكنها عندما قرّرت إطلاق علامتها «باجر» للساعات السويسرية، كان لا بد أن تغوص في عالمها الذاتي والخارجي بكل ما يحيط به من تراث وثقافة وطقوس وعادات وتقاليد وحضارة وتاريخ.
بدأت باختيار اسم كردي له معنى من رحم الذكريات. فـ«باجر» يعني «مدينة»، الأمر الذي يجعله اسماً غير عادي بالنسبة لها: «إنه حالة ذهنية، تعكس التوق للحرية والأمان والقدرة على الصمود» وفق قولها. تذكر أن السفر بين المدن لم يكن سهلاً على الأكراد في التسعينيات، بسبب ظروف الحرب. كانت المرة الوحيدة التي غادرت فيها مع عائلتها بلدتهم الصغيرة حدثاً مهماً وهي طفلة، ولا سيما أنها كانت لحضور مهرجان ثقافي في المدينة تعرض فيه أعمال من الفن الكردي. هذه العلاقة بين الماضي والحاضر، وبين الحياة الريفية بكل بساطتها وجمالها وحياة المدن بإيقاعها السريع حيث تعيش حالياً، تُلخص شخصية علامتها، كما تقول.
تعترف ليلى بأن الطريق لم يكن مفروشاً بالورود، بسبب شحّ الإمكانات المادية في المقام الأول، ما أخَر حلمها 5 سنوات تقريباً. طوال هذه الفترة، كانت روح المرأة الكردية المتحدية والصامدة بداخلها تُقوِيها وتُذكرها بجذورها وبنات جنسها من الأجيال السابقة حتى لا تضعف وتتراجع عن حلمها. عملت في وظائف مؤقتة مع شركات تصميم وهندسة معمارية، وحوّلت شقة صغيرة في قبو منزلها لـ«إير بي إن بي». بعد 5 سنوات، توفرت لها الإمكانات ليبدأ العمل الجاد. تقول: «هنا بدأ التحدي الأكبر، كيف أبني مشروعاً بجودة عالية وبمواصفات مثالية تُمثِلني وتعكس طموحاتي». كان أول شيء قامت به أنها تعاونت مع ورشة متخصصة في صناعة الساعات الفاخرة، تديرها عائلة سويسرية منذ 3 أجيال، ومعروفة بشراكتها مع العديد من شركات الساعات المعروفة. كان هذا التعاون ضرورياً لضمان جودة الجانب التقني.
أما جانب التصميم والأفكار، فإن مقولة «الفنان ابن بيئته» تنطبق عليها حرفياً. فهي لم تنسَ نشأتها وسط الصراعات التي شهدتها تركيا في تسعينات القرن الماضي، كما لم تنسَ صمود المرأة الكردية وقدرتها على تجاوز المحن والتعامل معها بنسج سجاد بألوان وأشكال فنية. هذه الذكريات وصور الماضي كانت دافعاً قوياً لكي تحتفي بهذه المرأة. استعملت مهارتها في نسج السجاد كمصدر إلهام. اختارت 3 رموز تعكس جماله ودقته وصلابته، وهي: الوضوح، المقاومة، الحماية. أخذت هذه الرموز وترجمتها في مجموعة تتميز بموانئ لامعة، ولمسات نهائية من الفولاذ المقاوم للصدأ، وأرقام رومانية كلاسيكية، إلى جانب بساطة تمزج بين الأصالة والحداثة. الأهم من هذا تعكس زخارفها جمال الفن الكردي وصلابة المرأة التي تنسجه بصبر.