ترجمة: عدوية الهلالي
إلى جانب هذا الفيلم الروائي الذي يتتبع بدايات الفنان الأمريكي (بوب ديلان)، فقد حظي هذا النوع من أفلام السيرة الذاتية بنجاح كبير في السنوات الأخيرة. ففي نيويورك،عام 1961، كان بوب ديلان لا يزال مجهولا تماما، كما يقول جيمس مانجولد، مخرج الفيلم الذي يحمل نفس الاسم - والذي بدأ عرضه في دور العرض العالمية – داعيا المشاهد إلى التعمق في السنوات التي أثبتت فيها الشخصية نفسها كفنان. فمع سترته الجلدية ونظارته الشمسية وشعره الكثيف، يبدو بوب ديلان، الذي يلعب دوره تيموثي شالاميت، بمظهر غير مبالٍ ونظرة معذبة. وفي الفيلم، سنتابع ديلان في علاقاته مع فناني عصره، وودي جوثري، بيت سيجر، جوان بايز... ومن خلال الأسئلة التي أثارت أمريكا في الستينيات.وعلى إيقاع اغنيات الفنان الأكثر شهرة، سنقتفي آثار الرجل الذي تم تسليط الضوء عليه،حيث يتم تصوير حقبة بأكملها.
وتقول كارولين سان مارتن، المحاضرة في السينما بجامعة باريس بانتيون سوربون والمديرة المشاركة لقسم التحليل السينمائي والثقافات في لافيميس: "يحب الناس رؤية القصص المألوفة في السينما، وهكذا يسمح لنا الفيلم السيرة الذاتية بإعادة اكتشاف حياة شخصية معروفة والكشف عن عناصر من حياتها الخاصة."
وعلى الرغم من أن هذا النوع من الأفلام ليس جديدًا -إذ أصدر المخرج الفرنسي جورج ميلييس فيلم سيرة ذاتية عن كليوباترا في عام 1899 - إلا أن هذا النوع شهد نقطة تحول في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين مع إصدار فيلم (الحياة الوردية) للمخرج اوليفييه داهان عام 2007 الذي يتناول حياة إديث بياف، والتي لعبت دورها ماريون كوتيار، وكان الفيلم قد حقق نجاحاً كبيراً في فرنسا، حيث بلغ عدد مشاهديه 5.3 مليون مشاهد، وفي الخارج أيضاً، حيث بلغ عدد مشاهديه 6.1 مليون مشاهد. وعلى صعيد الإيرادات، حقق الفيلم 32.9 مليون يورو على مستوى العالم، بحسب أرقام يونيفرانس. وفي فرنسا، واعتبارًا من هذا التاريخ، أصبح إنتاج أفلام السيرة الذاتية منتظمًا،" بمعدل عنوانين سنويًا في المتوسط"، وفقًا للمنظمة المسؤولة عن متابعة تطور الأعمال الفرنسية على المستوى الدولي.
وفي الآونة الأخيرة، حقق فيلم "أوبنهايمر" لكريستوفر نولان وفيلم "نابليون" لريدلي سكوت 4.46 مليون و1.60 مليون مشاهدة على التوالي في دور السينما الفرنسية، وفقا للمركز الوطني للسينما والصورة المتحركة (CNC). وقد حقق الفيلم السيرة الذاتية لأب القنبلة النووية إيرادات تجاوزت 975 مليون دولار في جميع أنحاء العالم، فيما تجاوزت إيرادات فيلم الإمبراطور الفرنسي 221 مليون دولار، وفقًا لـMojo، وهي منصة تتعقب إيرادات شباك التذاكر للأفلام الروائية.
ومن الممكن أيضًا تفسير وفرة أفلام السيرة الذاتية بالمنطق الاقتصادي. إذ تذكرنا كارولين سان مارتن أن صناعة الأفلام تتطلب "المراهنة" و"معرفة ما الذي سوف يجذب المشاهدين". فمن المثير للاهتمام في أفلام السيرة الذاتية هو سهولة ربح الرهان. وعندما تحظى الشخصية التي تُقتبس قصة حياتها بشعبية، فأنت تعلم أن جمهورًا معينًا مهتم بمشاهدتها بالفعل.
ولكن لا توجد وصفات سحرية، وبعض تلك الافلام لاتحظى بالنجاح المتوقع. ففي عام 2014، قدم المخرج أوليفييه داهان للجمهور فيلمًا عن الفنانة الراحلةغريس كيلي التي حملت لقب اميرة موناكوبعد زواجها بالأمير رينيه حاكم موناكو. وعلى الرغم من الشعبية الكبيرة التي تتمتع بها الشخصية التي جسدت دورها نيكول كيدمان، إلا أن الفيلم حقق أقل من 300 ألف مشاهدة في فرنسا (يونيفرانس)، مقارنة بـ 5.3 مليون مشاهدة لفيلم "الحياة الوردية".
وأحد العناصر المشتركة في جميع أفلام السيرة الذاتية هو رغبة المشاهدين في اكتشاف الأحداث الخاصة بشخصية عامة من خلال هذه الأفلام والتي من شأنها أن تسمح لهم بفهمها بشكل أفض، فهناك ميل في الأفلام السيرية إلى الكشف عن عناصر لا داع للكشف عنها.وأحيانًا يكون لهذا النوع من الأفلام جانب مثير". كما إن هذه الطريقة في سرد القصة لا يمكنها إلا أن تركز على جانب واحد من الشخصية، دون أي تفاصيل. وتسلط الباحثة كارولين سان مارتن الضوء على صعوبة أخلاقية معينة في إنتاج الأفلام السيرية فتقول: "إن النوع السينمائي الذي يتناول السيرة الذاتية قد يسبب الارتباك، عندما تكون هناك رغبة في خلط الواقع بالخيال".
وتدعو الباحثة إلى وضع ضمانات، مسلطة الضوء على براعة بعض الأفلام السيرية، مثل فيلم تود هاينز عن بوب ديلان، "أنا لست هناك" (2007)، أو فيلم "سيرافين" للمخرج مارتن بروفوست (2008)، أما فيلم (الغريب المثالي) عن بوب ديلان والذي يعرض حاليا فيبدو أن المخرج جيمس مانجولد قد وجد فيه التوازن الصحيح مع كل العناصر التي تجعل منه فيلمًا لا يُنسى كالتمثيل المتميز والإخراج والقصة الأصيلة والموسيقى القوية كما تم ترشيحه لعدة جوائز اوسكار منها جائزة أفضل ممثل لتيموتي شالاميت الذي جسد شخصيته.. وإذا كان بوب ديلان هو صوت جيل كامل، فإن هذا الفيلم يمثل قصيدة لإرثه وتذكيرًا بقوة الفن في تغيير العالم.
مع عرض فيلم "الغريب المثالي" لبوب ديلان: لماذا تحقق أفلام السيرة الذاتية نجاحا كبيرا؟

نشر في: 24 إبريل, 2025: 12:01 ص