TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العراق وسوريا من جديد: أمن ما بعد الحرب أم نفوذ ما بعد الخراب؟

العراق وسوريا من جديد: أمن ما بعد الحرب أم نفوذ ما بعد الخراب؟

نشر في: 27 إبريل, 2025: 12:01 ص

محمد علي الحيدري

حين زار رئيس جهاز المخابرات العراقي، حميد الشطري، العاصمة السورية دمشق في الخامس والعشرين من أبريل 2025، كان يحمل ملفًا مزدوجًا: علنيًا أمنيًا واقتصاديًا، ورمزيًا سياسيًا ودينيًا. غير أن عمق الرسائل التي انطوت عليها الزيارة يتجاوز العناوين الرسمية، ليكشف عن لحظة مفصلية في علاقات العراق الإقليمية، وسيناريوهات ما بعد التحولات السورية الجذرية.
في ظاهر الأمر، جاءت الزيارة استكمالًا لمسار بدأ منذ لقاء رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بالرئيس السوري أحمد الشرع في الدوحة، ومسار آخر أمنيّ خالص بدأ بزيارة الشطري لدمشق في ديسمبر الماضي. ملفات مشتركة: داعش، الحدود، النفط، اللاجئون، والتنسيق العربي قبل قمة بغداد. لكن ما بين السطور، يتبدّى أن بغداد تختبر دورها كوسيط مستقر في بيئة إقليمية مضطربة، بينما تراقب واشنطن وطهران وأنقرة وتل أبيب هذا الدور بعين الشك أو الأمل، وفقًا لمصالحها.
زيارة الشطري لمرقد السيدة زينب (ع) بعد لقائه بالرئيس السوري لا تخلو من دلالات دقيقة. فالرمزية الطائفية التي وُظّفت في مرحلة الحرب السورية تعود اليوم بلون جديد: لون الدولة، لا الميليشيا. من "زوار العقيدة" إلى "وفد الدولة"، تعيد بغداد رسم حدود علاقتها مع دمشق ما بعد الأسد. أما الشرع، فبصمته الرسمية أمام الكاميرات وظهوره المضبوط بدقة، فهما جزء من معادلة الشرعية التي يحاول بناءها داخليًا وعربيًا. فالعراق، بالنسبة له، ليس فقط شريكًا أمنيًا، بل بوابة عبور إلى القمة العربية القادمة، وربما إلى نظام عربي لا يزال متردّدًا في الاعتراف الكامل بدمشق الجديدة.
أما اقتصاديًا، فإن إعادة إحياء أنبوب النفط العراقي عبر سوريا تمثّل أكثر من مجرد مشروع طاقة: إنها رهينة توازن دقيق بين عودة سوريا إلى منظومة الاقتصاد الإقليمي، وبين شروط الجغرافيا السياسية في ظل الحصار والعقوبات. والسؤال الذي لا تزال إجابته مؤجلة هو: هل تملك بغداد القدرة على لعب دور الجسر دون أن تُستهلك كأداة؟
في قراءة مستقبلية، من المرجّح أن تتحول الزيارة إلى محطة تأسيسية في صياغة معادلة عراقية- سورية جديدة، تتجاوز البعد الأمني نحو تموضع سياسي جديد لكلا الطرفين. فالعراق يريد من سوريا الاستقرار لا الفوضى، لكنه لا يريد أن يكون طرفًا في إعادة تشكيل التحالفات القديمة على أنقاض الثورة والحرب. وسوريا الشرع تريد من العراق الشرعية والدعم، لا الوصاية ولا الحذر البعيد.
وبين هذه الرغبات المتقاطعة، تبقى المنطقة أمام اختبارين: الأول، قدرة بغداد على قيادة مسار عربي جديد يتجاوز الاستقطاب الإيراني-الخليجي؛ والثاني، قدرة دمشق على تجاوز عقد الماضي والانفتاح على محيطها دون الارتهان الكامل لأي محور.
إن زيارة الشطري، بما تحمله من رمزية، تُعدّ مرآة لعراق يحاول التحول من مفعول به إلى فاعل. لكنها أيضاً اختبار مبكر لعلاقة العراق بالواقع السوري الجديد: هل هي شراكة مستقلة أم شراكة مشروطة؟ وهل هي امتداد للنفوذ، أم بداية لعقلنة النفوذ؟
الجواب مرهون بما ستسفر عنه قمة بغداد المرتقبة، وما إذا كانت سوريا ستجلس على طاولتها لا كضيف ثقيل الظل، بل كشريك تعيد صياغة دورها عبره.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram