TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > "النظام السياسي" في العراق وإنهيار أسعار النفط؟

"النظام السياسي" في العراق وإنهيار أسعار النفط؟

نشر في: 27 إبريل, 2025: 12:02 ص

دعماد عبد اللطيف سالم

هذا المقال يُحاوِلُ (بإيجازٍ شديد) تقديمَ "وجهة نظر شخصيّة" لتحليل " الميكانزمات –الآليات" التي يعمل بها الريع النفطي بشكلٍ خاص، و"الفائض الاقتصادي الفعلي" الذي تهيمن عليهِ "الدولة" الريعية بشكلٍ عام، وكيف يتم استخدام هذه "الميكانزمات" لإدامة "النظام السياسي" الراهن في العراق.
انخفاض أسعار النفط: تناقُص ريع السلطة وتزايد أعباء التخادُم وإدامة التحالفات.
عائدات الصادرات النفطية في العراق ليست فقط مصدرَ تمويلٍ رئيس لنفقات الموازنة العامة للدولة.
هذا "دورٌ" تقليديٌّ لها، أمّا الدورُ الحاسم والرئيس فهو شيءٌ آخرَ غيرُ هذا تماماً، وأخطرُ بكثير، لأنّهُ يرتبِط ببُنية النظام السياسي في العراق، وبطبيعةٍ تكوينه، وبعلاقاته وتحالفاته السياسية- المُجتمعيّة، وليسَ بـ "الظاهرة الماليّة" لهذا النظام التي تجِدُ تجسيدها "المالّي" في تخصيصات الموازنة العامة للدولة، و بشكل ونوع "العجز- الفائض" فيها.
هذا "التحالُف السياسي- الريعي"، هو الذي يتعرَّضُ للتهديد مع انخفاض أسعار النفط، لأنّ "وفرةَ" الريع النفطي هي مصدر قوّتهِ وتمكينهِ واستدامته، وبتراجُعِ هذه الوفرة تتفكّك علاقات "التخادم" القائمة بين "النظام السياسي" وبين "القوى المجتمعية" الأكثر قوّةً وتنظيماً الداعمةِ له، وبما يجعل هذا النظام في مواجهةٍ مكشوفة مع تحديّاتٍ "وجودية" لا قدرةَ لهُ على مواجهتها في ظروف "العُسر" السائدةِ الآن.
يمكن تشريح علاقات "التخادم" هذه من خلال إيضاح آليات توزيع (وتقاسم) السلطة والثروة والنفوذ بين الدولة والفاعل المجتمعي الأكثرُ هيمنةً وقوّةً وتنظيماً.
- فالدولة (كفاعل سياسي عنيف) تُهيمِن على الموارد الاقتصاديّة "السياديّة- الوطنيّة"، وتتحكَم بها (تخصيصاً وإدارة).. ولضمان استدامة سلطتها، فإنها ستسمح لهذه الموارد بالنفاذ إلى "الفاعل المجتمعي المُهيمِن"، الذي سيستخدم موارد "الفاعل السياسي" في صراعه المحلي مع "الخصوم" الآخرين.
يتمّ "تسريب" موارد "الفاعل السياسي" إلى "الفاعل المُجتمعي" المُهيمِن، من خلال "قنوات" عديدة، أهمّها "منظومات" استملاك واستغلال الأراضي "الزراعية – الأميريّة"، وأنظمة التصرُّف بالعقارات المملوكة للدولة، وتقديم تسهيلات التمويل الحكومي السخيّة، ومنح الاعفاءات الضريبيّة، وبإقرار لائحة واسعة من "الاستثناءات" من القوانين والتعليمات النافدة، وبإغراق "المُوالين" بـ "المكرمات" السخيّة.. وأخيراً بـ "شرعنة" جميع هذه "التصرفات" من خلال توفير الإطار القانوني المناسب.
- في نقطة التقاء المصالِح الحرجة والمفصليّةِ هذه (بين "الدولة" كفاعل سياسي، وبين "الفاعل المجتمعي" الأكثرُ تنظيماً ونفوذاً وهيمنة) سيتضاءلُ خوفُ الدولةُ من هشاشتها، ولن تجِدَ نفسها مُلزَمةً بِبَذلِ الكثيرَ من الجُهدِ لتجاوزها، وسيدفعُ ذلك هذه الدولةَ إلى الاعتقاد بأنّ هذه "الهشاشةَ" لن تُشَكِّلَ بعد الآن تهديداً وجوديّا لها.. ذلكَ لأنّ من مصلحة "الفاعل المجتمعي المُنظَّم والمُهيمِن" أن يُحافِظَ على وجود واستمرار دولةٍ كهذهِ، بل أنّ هذا "الفاعل المجتمعي" سيستخدم كُلّ وسائل العنف المُتاحةِ لديه، للدفاع عن هذه "الدولة" في حال تعرّضها لأيّ تهديد(خارجي أو داخلي)، ولن يسمح أبداً بتقويضِ تفويضها بالحكم لأطولِ مُدّةٍ مُمكنة.
إذن.. متّى ستكونُ "الدولةُ" هذه (كفاعل سياسي) هشّةٌ حقّاً؟
سيحدث ذلك عندما تفقدُ هذه الدولة مصادرَ الريع الرئيسة التي تعتاشُ عليها، والتي كانت تسمح (بفعل وفرتها) للفاعل المُجتمعي(المُهيمِن والمُنظَّم والعنيف) بالتطفُّل عليها، وبالتالي فهي لن تكونَ قادرةً بعد الآن على "تسريب" فائضِ الريع إليه لتأمينِ "الإنفاقِ" على احتياجاته وترسيخ نفوذه وامتدادِ تأثيره. وعلى وفق "ميكانزمات" حالة "العُسر المالّي" هذه سينحرِف خطّ "الاتّجاه العام" التصاعدي للتخادم السياسي- المصلحي عن مسارهِ السابق. وسيدفع ذلكَ الفاعل المجتمعي للتفكير بالدفاع عن مصالحهِ أوّلاً، ومن ثمَّ، وبالضروراتِ المترتّبةِ على ذلك، فإنّهُ سيفتقِدُ الدوافعَ والأسباب التي كانت تُبرّر دفاعهُ عن من كانت في يومٍ ما "دولتَهُ" السابقة.
و في بلدٍ كالعراق، فإنّ "هشاشة" الموارد المالية، و"ريعيتها"، سيُفضي إلى هشاشة الدولة(كفاعل سياسي)، وإلى تراجِع نفوذها وسُلطتها، وسيؤدّي ذلكَ بالضرورة إلى تراجع نفوذ وهيمنة القوى الرئيسة المُرتبِطة بها(كفاعل مُجتمعي).
إنّ كلا الفاعِلَين (السياسي والمجتمعي) في العراق، غير منتجين، ومستهلكين بشراهة، ومبددين للموارد.
وهكذا.. عندما تبدأ مصادر المال والثروة "الدولتيّةِ" الرئيسةِ بالنضوب (أو حتّى بالتراجع)، وتكونُ غيرُ قابلةٍ للاستدامة، فإنّ القوى المجتمعية المُرتبطة بالدولة "عضويّاً"، ستحرِمُ هذه الدولة من ولاءها "المشروط"، وستنزعُ عنها مصادر قوّتها، وتُعيدها إلى حالة "هشاشتها" الأولى.
وبفعل دينامكيتها المجتمعية، ستعمل هذه القوى على اعادة هندسة علاقاتها "المصلحية- الزبائنيّة" مع أيّ نظام سياسيّ "بديل"(أو قيدَ التشكيل) بهدف "التأسيس" لدولة "هشّة" أخرى، تسمحُ لهذه القوى بإعادةِ بناء دورها و وظيفتها كفاعل مُجتمعي مُهيمِن، وكحاكِم ومُتحكِّم مرّةً أخرى.. في "حلقةٍ" لا يُمكنُ كسرها إلاّ بـ "العنف الخارجيّ"(متى ما كانت الظروف الدوليّة والاقليميّة مُناسِبة ومُهيَّأة لقبول ذلك).

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram