ثائر صالح
يعج تاريخ الموسيقى بالمفاجآت وبالمصادفات الغريبة. إذ يحدث أحياناً أن أعثر أثناء البحث عن مواضيع جديدة لم أطرقها سابقاً على درر وأخبار نادرة لم أسمع بها سابقاً، فتكون نواة البحث الذي أُجريه لأنطلق منه في كتابة المادة الجديدة. هذه المرة تعثرت بموضوع أثار فضولي هو قصة مغنية أوبرا من البيرو حصلت شهرة عالمية ليس بسبب خلفيتها، بل بسبب مؤهلاتها وقدراتها الفنية الفذة. فهي من أحفاد أحفاد اتاوالبا، آخر إمبراطور حكم إمبراطورية الإنكا في أمريكا اللاتينية (قتله الغزاة الإسبان سنة 1533)، لكن فرادة صوتها الذي امتد على مدى أكبر من أربعة أوكتافات (دواوين) ونقاءه وإمكانياتها الفنية جعل منها من بين أشهر مغنيات منتصف القرن العشرين.
ولدت زويلا أوغوستا إمبراتريس چاباري دَل كاستيّو سنة 1922 في البيرو، وعاشت طفولتها في شمال البلاد في جبال الإند(يز) قريباً من الحدود مع الاكوادور، وهناك بدأت تقلد أصوات الطيور، وهو أمر استثمرته لاحقاً خلال حياتها المهنية بشكل ناجح، علاوة عن كونه تمريناً استثنائياً ساعدها على توسيع مداها الصوتي حتى وصل إلى أقل من خمسة أوكتافات، وهو مدى قياسي بين المغنيات لم تصله أية مغنية قبلها أو بعدها حتى الآن.
سجلت بعض الأغاني الشعبية البيروفية (نسبة إلى بلدها البيرو) في الأرجنتين ما ساعد على انطلاق سمعتها محلياً، وبدأت بتسجيل اسطوانات زادت من شهرتها، وقد استعملت اسماً فنياً هو إيما سوماك عرفت به لاحقاً خلال حياتها. والاسم هذا يعني بلغتها الأم، لغة هنود الكاچوا "ما أجملها" وقد ترجمته أحيانا بشكل "البنت الجميلة".
وصلت شهرتها الولايات المتحدة في مطلع الخمسينات فكانت أول مغنية من البيرو تغني في برودواي وفي قاعة كارنيجي الشهيرة، وقامت بجولات في أوروبا وفي آسيا قدمت خلالها مئات الحفلات. وقد انتقلت إلى الولايات المتحدة مبكراً في 1946 وشكلت ثلاثياً مع زوجها مويزس بيبانكو الملحن وعازف الغيتار وابنة عمها چوليتا ريبيرو المغنية والراقصة لتقدم فقرات غنائية استعراضية مشوقة. سجلت البومات احتلت الصدارة في المبيعات وقتها، بيع منها أكثر من 40 مليون نسخة. واشتركت في تمثيل عدد من الأفلام الأمريكية وغنت فيها. كان لها دور كبير في نشر ما يعرف اليوم بفن "موسيقى الشعوب"، وكذلك شكل الفيوجن (Fusion)، وهو التوليف بين أجناس موسيقية مختلفة أو موسيقى شعبية مثل اللاتينية مع الجاز. اعتمدت سوماك والحلقة المحيطة بها على تقديم موسيقى الإنكا وأدواتهم الموسيقية بتوليفة مع الفن الاستعراضي الذي ميز خمسينات القرن الماضي في أمريكا، وأطلق عليه اسم "إكزوتيكا" كناية عن غرابته وحداثته. استعملت سوماك الكثير من عناصر تاريخ الإنكا وملابسهم الزاهية في عروضها، ولابد أن تكون قصتها عن تحدرها من آخر امبراطور للإنكا قد ساعدت في إضفاء المزيد من الإكزوتيكا الغرائبية - سيما وقد ارتبطت هذه الامبراطورية بالذهب والكنوز التي بحث عنها الغزاة الإسبان وأبادوا السكان الأصليين بسببها.
موسيقى الاحد: الأميرة السوبرانو

نشر في: 27 إبريل, 2025: 12:01 ص