الموصل/ سيف الدين العبيدي
قبل عام 2014، كانت المرأة شبه غائبة عن سوق العمل في مدينة أم الربيعين (الموصل)، نتيجة الظروف الأمنية الصعبة آنذاك، إضافة إلى نظرة المجتمع السائدة تجاه عمل النساء. واقتصر نشاط المرأة على مجالات محدودة مثل صالونات التجميل والخياطة. غير أنّ المشهد تبدل بعد التحرير، إذ اتجهت النساء نحو مجالات عمل جديدة، مدفوعات بالحاجة الاقتصادية، خصوصاً بعد أن خلّفت الحرب أعداداً كبيرة من الأرامل.
كما أسهم احتلال تنظيم داعش للمدينة، وما رافقه من تعطيل للجامعات والمدارس، في دفع الفتيات إلى تعلم عدد من المهن اليدوية، لاستثمار أوقاتهن الطويلة داخل المنازل. وبعد التحرير عام 2017، ظهرت قدراتهن إلى العلن، لتشارك المرأة الموصلية الرجل في مشاريع متنوعة مثل محال بيع الورود والنباتات، الملابس النسائية، ورش الخياطة، بيع الإكسسوارات، مكاتب تعليم السياقة، وخدمات توصيل البضائع والأطعمة.
وإلى جانب تلك المجالات، برزت مشاريع إعداد الطعام والحلويات المنزلية كواحدة من أكثر المشاريع انتشاراً، مستفيدةً من تزايد الطلب في السوق بعد ارتفاع عدد السكان، فضلاً عن طبيعة المجتمع الموصلية المحافظة، التي تفضل أن تعمل النساء من داخل البيوت.
هذا التوسع دفع بعض مؤسسات المجتمع المدني إلى تنظيم ورش تدريبية تهدف إلى تطوير مشاريع النساء، خاصة في مجالات التسويق وقراءة السوق ومعرفة احتياجات الناس، لزيادة فرص نجاح المشاريع. ومن بين هذه المبادرات، برز برنامجا «تمكين» و«رائدات» اللذان نفذتهما مؤسسة «موصل سبيس» خلال السنوات الماضية.
وتحدثت زبيدة محمد، صاحبة مشروع تجفيف الفواكه، لـ(المدى) قائلةً إنها بدأت مشروعها منذ عدة أشهر، عبر تجفيف الفواكه في المنزل وبيعها إلى مراكز التسوق، مشيرةً إلى أنّ المشروع يُعد فكرة جديدة تُطرح لأول مرة في الموصل. وأضافت زبيدة، وهي طالبة جامعية، أن الدعم المعنوي الذي تلقته من المجتمع من خلال التشجيع والشراء كان الدافع الأكبر لاستمرارها، مؤكدةً أن وسائل الإعلام، ومنها (المدى)، تسلط الضوء على المشاريع النسوية، مما يشكل حافزاً إضافياً للعمل. وبينت أن أبرز التحديات التي تواجهها تتمثل في قلة رأس المال، داعيةً جميع الفتيات إلى دخول سوق العمل، خصوصاً أن البيئة التجارية أصبحت اليوم أكثر ملاءمة لوجود النساء، لا سيما في الأعمال التي تُدار من المنازل، ما يساعدهن على التوفيق بين مسؤوليات الأسرة والعمل، وتوفير تكاليف النقل والإيجار.
من جانبها، تحدثت الشابة حلا محمد، صاحبة مشروع تجهيز الأكلات الموصلية، لـ(المدى) قائلةً إنها افتتحت مشروعها قبل عام، وتعمل من منزلها في إعداد مختلف الأطباق الشعبية المعروفة، مثل الكبة والعروق والقلية والدولمة البرمة، بنكهة موصلية أصيلة تجذب الزبائن، خصوصاً السياح العراقيين والأجانب. وأوضحت أنها تشارك بانتظام في المهرجانات والفعاليات بالمدينة بهدف التعريف بمنتجاتها، وتعتمد في التسويق على مواقع التواصل الاجتماعي.
بدورها، أكدت الدكتورة فرح غالب، المختصة الاجتماعية، لـ(المدى) أنها تشجع على دخول المرأة الموصلية سوق العمل، معتبرةً أن الوضع الاقتصادي العالمي المتأزم يتطلب من الجميع البحث عن مصادر دخل إضافية. وأضافت أن عمل المرأة يمثل دعماً لذاتها ولأسرتها، لاسيما في ظل الظروف القاسية التي شهدتها نينوى، والتي أفرزت عدداً كبيراً من الأرامل بعد عام 2017.
في السياق ذاته، بينت الناشطة سراء الدباغ لـ(المدى) أن لمنظمات المجتمع المدني دوراً بارزاً في دعم النساء من خلال افتتاح مشاريع ريادية وتقديم الدعم المادي والمعنوي، مما أسهم في توسيع أفق مشاركة المرأة في سوق العمل بأم الربيعين.
المرأة الموصلية تغزو سوق العمل.. الاستقرار الاجتماعي أبرز الأسباب

نشر في: 27 إبريل, 2025: 12:10 ص