الكتاب: أولى حروب جورج واشنطن.. مغامراته العسكرية الأولىالمؤلف: ديفيد أ. كلاريترجمة: عبد الخالق علي لم تكن بدايات واشنطن تثير المشاعر. لقد تعلّم الكولونيل الفتى القادم من ميليشيات فيرجينيا مهنة القتال و انخرط في معارك على طول الجبهة الاستيطانية ضد الأمة الفرنسية و الأمة الهندية. لقد تضرر أحد انتصاراته البسيطة عندما قام أحد الحلفاء الهنود بقتل ضابط فرنسي جريح كان قد استسلم،و هو تحت حماية واشنطن،مما سبّب تصعيد الحرب غير المعلنة حول من الذي يسيطر على إقليم أوهيو.
بعد سنتين، في 1756، تحولت هذه المناوشات الحدودية إلى حرب السبع سنوات التي جرت في أميركا الشمالية و أوروبا و انخرطت فيها تسع دول،مما جعلها نموذجا لحرب عالمية. هذه هي الرهبة التي أثارها "أبو الأمة"، و التي يشعر المؤلف بأنه مضطر لتذكير القارئ أن واشنطن قد بدأ صغيرا و لم يولد رجلا عظيما. لقد قام كلاري – الذي كتب عشرة كتب أخرى و كان رئيس المؤرخين في دائرة الغابات الأميركية – بواجبه لأن هوامشه موثوقة، رغم أن صغائر الأمور تغطي أحياناً على السرد الأخاذ. كان الشاب واشنطن قائدا صارما، لا يتورع عن إصدار الأوامر القاسية لجلد أتباعه بالسياط بسبب احتساء الخمر، أو عدم الطاعة و سوء السلوك. شاع سوء السلوك و كانت العبارات البذيئة تطلق بسبب قلة الطعام و الملابس و السلاح و الرواتب،و غالبا ما كان يصدر أوامره برمي او شنق المتخاذلين،و عندما تخرج الأمور عن مشيئته كان قادرا على التمسك بها،و يغضب و يشير بأصبعه متوعدا. كان بارعا فيما يُعرف اليوم " بالالتفاف حول النفس " او كما يصفه كلاري " لم يكن يتهرب من الحقيقة عندما يكون ذلك مناسبا لأغراضه". كذلك كان يحب أن يصمم أزياءه الرسمية بنفسه. لكن لكي نعطي جورج ما يستحقه: فقد كان سعيدا. في سن الحادية و العشرين تطوّع في مسيرة شاقة، سار خلالها أكثر من مائة ميل في البراري القاسية أواخر الخريف مع الفرنسيين المتسرعين في إطلاق النار. كان الهنود يكمنون لهم – لتسليم القائد الفرنسي رسالة صريحة،خاصةً و أن مقاطعة أوهيو كانت تعود لبريطانيا. تجاهل الرسالة و تعرّض لإطلاق نار من أحد الهنود في طريق عودته إلى وليامزبيرغ. بما أن الزمان و الستراتيجيات العسكرية كانت تختلف عما هي اليوم، فقد كان للأمور طابعها المعاصر. لغرض تحشيد الإسناد من أجل موقف هجومي على أراضي أوهيو المتنازع عليها، أصرّ الملازم روبرت دنويدي من فيرجينيا على أن الفرنسيين كانوا يشكلون تهديدا لا يمكن احتماله، و كان ينوي دفع المستوطنين باتجاه المحيط الأطلسي. في الحقيقة، لم يكن للفرنسيين – الذين يقل عددهم عن عدد البريطانيين في أميركا بعشر مرات – الوسائل و النية في ذلك. في الواقع أن الفرنسيين هم الذين سيتجردون من ممتلكاتهم القارية في كندا و لويزيانا عند انتهاء الحـرب في 1763. المواجهة الأولى لواشنطن مع الفرنسيين في 1754 أثارها هندي " نصف زعيم "،و حسبما يقول كلاري " كان هذا الرجل حريصا على تأجيج الصراع بين قبائل البيض لغرض دعم موقفه ضد الفرنسيين. كان تجاهل المصالح و الستراتيجيات الهندية حاسما في الاندحارات التي عانى منها واشنطن و آخرون فيما بعد. كسب واشنطن اولى المناوشات لكنه بالنتيجة انكسر امام قوات انتقامية من الفرنسيين و الهنود الذين قتلوا 3. و جرحوا 7. من رجاله قبل إجباره على الاستسلام. خسر العدو اربعة رجال. ترك الفرنسيون رجال فيرجينيا الباقين على قيد الحياة يبتعدون مع أسلحتهم لأنهم قدّروا ان الحرب ما دامت لم تعلن بعد فلن يكون هناك أسرى حرب. في وليامزبيرغ اعتبروا الحملة انتصارا،و ألقوا باللوم في الاستسلام على حكومات الاستيطان المجاورة التي لم تؤد دورها في المجهود الحربي. لازال هناك اندحار بريطاني كبير في الطريق عام 1755، و سيظهر واشنطن – الذي كان يعمل تحت إمرة القائد البريطاني ادوارد برادوك – مرة أخرى سالما معافى في جسده و في سمعته العسكرية. بعد وفاة برادوك، قاد واشنطن – الممزق بالرصاصات التي أخطأته – انسحاباً من الدرجة الأولى. منذ ذلك الحين و على مدى عشرين عاما، تعلّم واشنطن من أخطاءه الكثيرة التي ارتكبها حين كان قائدا في العشرينات من عمره،و أصبح قائدا أكثر رأفة و اعتدالا،و راح يتبنى أساليب سبق أن استخدمها أعداؤه من الهنود،و أتقن فن الحفاظ على جيشه المدني في الميدان تحت كل الظروف. لقد عهدوا لهذا المحارب الشاب الذي لا يمكن لأحد مواجهة شجاعته الراسخة،ان يتكفل بمهمات لم تكن فيرجينيا و بريطانيا تتمكن او ترغب في تحشيد الرجال و التجهيزات لها. كما هو الحال اليوم،الميزانيات كانت ضيقة جداً.
جورج واشنطن ومغامراته العسكرية الاولى
نشر في: 21 فبراير, 2011: 07:21 م