TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > بمناسبة مرور 80 عاماً ليوم النصر العظيم...واجبنا الحفاظ على الحقيقة التاريخية

بمناسبة مرور 80 عاماً ليوم النصر العظيم...واجبنا الحفاظ على الحقيقة التاريخية

نشر في: 30 إبريل, 2025: 12:03 ص

إيلبروس كوتراشيف

هذا العام يحتفل الشعب الروسي والذي يتميز بتعدد قومياته وكذلك العديد من دول الاتحاد السوفيتي السابق بتاريخ هام ومشهود وهو اليوم الذي نعتز ونفتخر به في قلوبنا كل عام. وهو يوم النصر في الحرب الوطنية العظمى. لقد مر 80 عامًا على هذا العيد الذي أصبح له معنى عميق يكاد يكون مقدسًا. لقد أصبح رمزًا للوحدة الوطنية في بلادنا والإخلاص للواجب والتضحية الجسيمة لأسلافنا.
عندما نضع الزهور على النصب التذكارية لأولئك الذين لم يعودوا من الحرب وعندما نسير على أنغام أغاني الحرب مع صور أجدادنا في صفوف الحملة التذكارية "الفوج الخالد" نذكر أولئك الذين دافعوا عن استقلال الوطن بتضحيتهم بحياتهم. نحن لا نكرم ذكراهم فقط، بل نحن أحفادهم – المخلصين – نتصدى لأي محاولة لتشويه الحقيقة التاريخية. نحرص على ألا تذهب تضحية ملايين من جنود الجيش الأحمر الذين أنقذوا العالم قبل 80 عامًا سدى.
في فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية سعى الاتحاد السوفيتي في محاولة منه لمنع اندلاع النزاع، والأخذ بمبادرات متعددة لإنشاء نظام الأمن الجماعي في أوروبا. لكن في باريس ولندن فضّلوا تجاهل هذه المقترحات. وإضافة إلى ذلك دفعوا الجهاز الحربي النازي نحو الشرق على أمل أن يوجه الألمان ضرباتهم نحو الاتحاد السوفيتي وليس نحوهم.
وقد تجسد هذا التوجه غير الحكيم في "اتفاقية ميونيخ" في 30 ايلول 1938 التي شارك فيها رؤساء حكومات المملكة المتحدة (نڤيل تشامبرلين) وفرنسا (إدوار دالادييه) وإيطاليا (بينيتو موسوليني) وألمانيا (أدولف هتلر). حيث قام البريطانيون والفرنسيون بفرض الاستسلام على تشيكوسلوفاكيا دون قتال. وبعد ذلك شاركت المجر وبولندا في تقسيم البلد. لم تكن وارسو تتوقع أن يأتي دورها في العام التالي.
في ظل الوضع المتوتر في أوروبا وفي ضوء رفض لندن وباريس وحليفتهما وارسو التوصل الى اتفاقية الدفاع المشترك مع موسكو أُضطر الاتحاد السوفيتي في آب 1939 إلى توقيع معاهدة عدم الاعتداء مع ألمانيا. في ايلول 1939 هاجم هتلر بولندا وبعد 36 يومًا فقط سقطت وارسو. بدأت القوات السوفيتية في الدفاع عن غرب بيلاروسيا وغرب أوكرانيا اللتين كانتا في ذلك الوقت تحت سيطرة بولندا، بعد أسبوعين من بدء الحرب الألمانية البولندية. وقد لُوحظ أن البولنديين لم يقدموا أي مقاومة تقريبا ضد الاتحاد السوفيتي.
لم تساعد لندن وباريس حليفهما على الرغم من أنهما أعلنتا الحرب على برلين. لكنهما تصرفا بشكل سلبي ولذلك أطلق على تصرفاتهما اسم "الحرب الغريبة". كانا يظنان أن هتلر سيهاجم الاتحاد السوفيتي بمجرد أن يلتقي بالقوات السوفيتية. ولكن الألمان اتجهوا اولا غربًا وليس شرقًا. في عام 1940 سقطت الدنمارك والنرويج وبلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ وفرنسا. بينما نجت المملكة المتحدة لكونها جزيرة، لكنها كانت في حالة حرب حقيقية وليس "حرب غريبة". كان الاتحاد السوفيتي آخر بلد حر في القارة. وعندما تعرض هو نفسه للهجوم اضطرت كل من لندن وواشنطن إلى تقديم المساعدة لإنقاذ أنفسهم.
يعتبر يوم 22 حزيران 1941 هو يوم مأساوي لبلدنا: حيث هاجمت القوات النازية الاتحاد السوفيتي بدون إعلان حرب بفضل قوتها العسكرية الهائلة وخبرتها في الهجوم السريع. بدأت الحرب الوطنية العظمى التي استمرت أربع سنوات طويلة. ولكن بفضل الجهود غير المسبوقة والتضحيات الكبيرة استطاع أجدادنا الصمود والانتصار. كانت معركة موسكو ومعركة ستالينغراد ومعركة كورسك من أبرز المعارك التي قلبت مجرى الحرب العالمية الثانية. لكن بعد تحقيق هذه الانتصارات قام حلفاؤنا في عام 1944 بإنزال قواتهم في نورماندي. في ذلك الوقت كانت القوات السوفيتية تقاتل بالفعل على الأراضي الألمانية. لذلك ليس من الصدفة أن ترفرف راية النصر الحمراء فوق برلين المهزومة في 9 ايار 1945.
لا يزال من الصعب تصديق حجم الخسائر التي تكبدها الشعب السوفيتي، 27 مليون قتيل (من أصل 180 مليون نسمة) وآلاف القرى المحترقة ومدن مدمرة. هذا هو الثمن. ليس فقط من أجل الحفاظ على دولتنا وحمايتها من الاستعباد ولكن أيضًا من أجل تحرير أوروبا من النازية. ومن جدير بالذكر ان 88% نسمة من الجنود النازيين القتلى في الحرب العالمية الثانية تم تدميرهم في الجبهة السوفيتية. ومن المؤسف أن يتعين علينا تذكير أولئك الذين يجب ألا ينسوا أبدًا من الذي أنقذهم.
مع ذلك لم يكن الاحتلال النازي الفاشي متساويًا في أجزاء مختلفة من أوروبا. في الجزء الغربي كان المحتلون أقل قسوة مقارنة بالجزء الشرقي. أما في الأراضي السوفيتية فقد تصرفوا مثل الوحوش. ففي بيلاروسيا وحدها قتل القتلة النازيون ما يقرب من ربع السكان. كانت الأيديولوجية النازية تؤمن في الإبادة الجماعية للشعوب السوفيتية وتوطين الأراضي بالمستعمرين الألمان.
على الرغم من أن الحرب الأكثر دموية في القرن العشرين قد انتهت في عام 1945 إلا أن القضاء على "الطاعون البني" لم يكن بالأمر السهل. في بداية القرن الحادي والعشرين، ظهرت في بعض البلدان، بما في ذلك أوكرانيا ودول البلطيق، أفكار لتعديل نتائج الحرب العالمية الثانية. وانتعشت مجددًا الأيديولوجيات التي تؤمن بتفوق العنصر البشري، والعدوان، والعنف. وبدأت عمليات تدمير وإهانة تماثيل الجنود السوفيت وتنظيم مسيرات مشتعلة من قبل النازيين الجدد.
في أوكرانيا تم تبجيل المتعاونين مع النازيين مثل ستيبان بانديرا ورومان شوحيفيتش الذين شاركوا في قتل المدنيين اليهود والبولنديين والروس. وحظي أعضاء الفرق العقابية وحراس معسكرات الاعتقال بالدعم اللازم، وفي الوقت نفسه تعرض المحاربون الذين قاتلوا ضد هتلر في صفوف الجيش الأحمر وقوات الحلفاء لملاحقات متزايدة. حيث تم حظر ارتداء الميداليات العسكرية السوفيتية والزي العسكري في الأماكن العامة.
وتحدث هذه الممارسات في ظل تسامح وغالبًا بتشجيع من دول الغرب. من الأمثلة الصارخة على ذلك هو تكريم في 22 ايلول 2023 في البرلمان الكندي من قبل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى جانب رئيس الوزراء جاستن ترودو للجنرال ياروسلاف هونكا الذي كان جنديًا في وحدة "غاليشيا" النازية المتمركزة في المناطق التي تقبع تحت الاحتلال النازي. على الرغم من أن جد فولوديمير زيلينسكي كان من قدامى المحاربين في الحرب الوطنية العظمى.
تستمر محاولات طمس دور الجيش الأحمر في تحرير أسرى معسكرات أوشفيتز وغيرها من معسكرات الاعتقال. غير أن في كثير من الأحيان يصل الأمر إلى أن بعض السياسيين الأوروبيين يتجنبون استخدام مصطلحات مثل "النازية" أو "الفاشية" عند الحديث عن ألمانيا النازية في سعيهم لمسح الذاكرة التاريخية. وما تسببت فيه هذه المراجعات التاريخية يمكن رؤيته في أوكرانيا، التي سببت حربًا أخوية ضد روسيا.
وكذلك ذكرى الـ80 للانتصار في الحرب العالمية الثانية مرتبط ارتباطا خاصا بذكرى التأسيس الأمم المتحدة. فان القضاء على النازية الذي لعب الاتحاد السوفييتي دورا حاسما فيه وضع الأساس للهيكل المعاصر للعلاقات الدولية وفي قلبها منظمة الأمم المتحدة.
نحن في سعي دائم للحفاظ على الحقائق التاريخية والعدالة وهناك عديد من المؤيدين لهذا الهدف. تصوت العديد من الدول مع روسيا سنويًا لصالح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يدين تمجيد المجرمين النازيين والعنصرية وكراهية الأجانب. ومن بين هذه الدول العراق الدولة الصديقة لنا. ونحن بدورنا نقدر موقفه المبدئي ضد تشويه الحقائق التاريخية وتبرير أفعال النازيين والتحريض على الكراهية العرقية والدينية.
يعرف الشعب العراقي جيدًا وكذلك أصدقاؤنا العرب الآخرون ما يعنيه النضال من أجل الحرية وكيفية التغلب على مصاعب الحروب والدفاع عن السيادة. وكما أظهر التاريخ فإن العامل الرئيسي في النجاح ليس فقط القوة العسكرية، بل وحدة الشعب والإيمان بالعدالة والسعي نحو السلام. اليوم يواصل العراقيون بتفانيهم الشديد للتغلب على عواقب عقود من الصعوبات والحروب المدمرة. وهم يعملون بنشاط دؤوب على إعادة بناء بلدهم واستعادة قوته الاقتصادية ورفاهيته. كما نأمل أن يستلهموا من تجربة بلادنا في هذا المجال. وفي هذا الصدد قدمت روسيا ولا تزال تقدم المساعدة الشاملة لأصدقائها.
وكما جرت العادة كل سنة، سيتم الاحتفال بهذا الحدث التاريخي في الـ ٩ من شهر أيار في موسكو من خلال عروض يوم النصر في الساحة الحمراء. وبالنسبة لنا جميعاً لا يعد هذا الاحتفال تذكيرًا فحسب، بل هو أيضا دعوة للتوحد في مواجهة أي مظهر من مظاهر النازية الجديدة. وحتى وقت قريب عادة ما كان يحضر قادة أجانب كضيوف شرف بالإضافة إلى حضور القادة الغربيون الى الاحتفال ايضا. لكن من المؤسف هناك من يحاول نسيان علاقاتنا الحليفة التي كانت جزء لا يتجزأ من تاريخ اجدادهم.
· السفير فوق العادة والمفوض لروسيا الاتحادية في جمهورية العراق

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram