ترجمة: د. فالح الحمــراني
مع تراجع نفوذ الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في المنطقة، ينبغي تكثيف الجهود الدبلوماسية المحلية. فمع تدهور القدرات الدبلوماسية الحالية في الدول الغربية وعدم كفاية دور الوساطة الذي تقوم به الهند والصين، سيتعين على دول الشرق الأوسط إتقان فن الدبلوماسية المعقد في مجمله. والمطلوب هو انتقال المهارات المهنية من تنظيم وساطات ناجحة إلى تحقيق حلول دبلوماسية ناجحة لمشاكلها الإقليمية.
وثمة مؤشرات تبعث على التفاؤل في مساعي تطبيع الوضع في المنطقة ، فعلى سبيل المثال توترت العلاقات بين تركيا ومصر في عام 2013 بعد الإطاحة بالرئيس المصري محمد مرسي. وبما أن لدى كلا البلدين مصالح استراتيجية في الشرق الأوسط، فقد أدى التنافس بينهما إلى تعقيد البحث عن حلول في مناطق النزاع. ونشهد اليوم التحسن المطرد في علاقتهما. وهذا يعني تزايد فرص تعزيز التنسيق للجهود المشتركة لحل الكثير من المشاكل في المنطقة.
وفي الوقت نفسه، تعمل الدولتان الآسيويتان العملاقتان الصين والهند على توسيع حضورهما في هذا الجزء من العالم عن طريق مشاريع الطاقة والتجارة. وعلى وجه الخصوص تنشط الصين تطوير العلاقات مع دول شبه الجزيرة العربية في قطاع الطاقة. ويلاحظ انخفاض نفوذ الممثلين التقليديين للغرب - الولايات المتحدة وأوروبا - في المنطقة. لقد أضعف الأوروبيون بشكل ملحوظ أدوات نفوذهم الدبلوماسي والعسكري والمالي، في حين يمر الأميركيون في مرحلة انتقالية من للهيمنة الجيوسياسية إلى الانعزالية الجيوسياسية.
ونظرا لأن دونالد ترامب مقتنع بأن الولايات المتحدة تتمتع بالاكتفاء الذاتي الكامل في مجال الطاقة، فمن المنطقي أن يقلل من اهتمامه بالسيطرة على الدول المنتجة للنفط في الشرق الأوسط. ويبدو أنه مهتم أكثر بترويج منتجات المجمعات الصناعية العسكرية الأميركية في دول المنطقة. وفي نظر رجل الأعمال ترامب، يبدو بيع الأسلحة بموجب عقود طويلة الأجل للإمدادات وخدمات ما بعد البيع بمثابة أساس أكثر موثوقية للشراكة، التي، بطبيعة الحال، يتم يدفع الطرف المشتري ثمنها.
وبشكل عام، تتطلب المشاكل والنزاعات في الشرق الأوسط في المقام الأول حلولاً دبلوماسية. وهي تشكل أساساً أكثر موثوقية لاستقرار الوضع في المنطقة من القوة العسكرية. ومن الواضح اليوم أن الحل المسلح لمشكلة حماس أو القدرات النووية الإيرانية أمر مستحيل.
ويتطلب خفض التصعيد في المنطقة على المدى الطويل صوغ رؤية شاملة لضمان أمن مجموعة واسعة من البلدان، بما في ذلك سوريا والعراق وليبيا. ومن غير المرجح أن تؤدي عسكرة المنطقة إلى خلق استقرار مستدام.
ومن الغريب أن دعم ترامب الأحادي الجانب لخطط إسرائيل الرامية بصورة سافرة للقضاء على حماس عسكريا، يبدو وكأنه هدف تكتيكي أكثر منه هدفا عسكريا. إذ من غير الممكن تحقيق الأهداف الاستراتيجية المتمثلة في الاستقرار والتطبيع على المدى الطويل في المنطقة على هذا المسار أي العسكري. وعندما يضغط الأميركيون على إسرائيل لتطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية أو قطر، فإنهم يقتربون من أجندة إقامة السلام الدائم في المنطقة.
وبشكل عام، فإن العلاقات مع إيران تميز بصورة سافرة الموقف الأمريكي الحالي. فمن جهة - الانعزالية، ومن جهة أخرى - التدخل. وتعتبر الأخيرة التهديدات ضد طهران سببًا جديًا لجعلها توافق على المفاوضات. ولكن ليس للاستسلام دون قيد أو شرط.
إن إضعاف حزب الله وفقدان نفوذه السابق في سوريا ولبنان يعملان في الاتجاه نفسه. يقف الأوروبيين ضد التدخل العسكري ضد إيران. وهذا يوفر للإيرانيين فرصة سانحة للمناورة دبلوماسياً بين الحلفاء الغربيين. وقد أدان الاتحاد الأوروبي بشكل عام العملية الإسرائيلية ضد حماس وعارض قصف إيران. ويمكن حل هذه التناقضات إذا وضعت الولايات المتحدة خارطة طريق شاملة لتحقيق الاستقرار الطويل الأمد للوضع في المنطقة. وهذا غير موجود بعد.
وهناك مؤشرات في المنطقة على تحمل دولها مسؤولية التطبيع. ويمكن أن نرى في هذا السياق المصالحة التركية - المصرية واهتمام السعودية بتعزيز العلاقات مع تركيا. وهناك تفاهم على أن الموارد المالية والاقتصادية التركية يمكن أن تصبح عاملاً رئيسياً في نجاح عمليات إعادة بناء سوريا وليبيا.
ومن الواضح أن ثمة حاجة إلى مزيج من الخطط دبلوماسية المعقدة لتسوية المشاكل الملحة في المنطقة. ولكن ليس من الواضح تماما ما إذا كانت تركيا ومصر والمملكة العربية السعودية وإيران تمتلك ما يكفي من القوة لتحقيق أهدافها من دون دور فعال من الولايات المتحدة.
وتسعى دول الخليج إلى بناء علاقات استراتيجية مع الصين والهند وروسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وتجنب الالتزامات السياسية، واتخاذ موقف واضح يدعم أحد الأطراف في حالة الصراع.
وهذا هو الواقع الجيوسياسي الجديد في عالم متعدد الأقطاب. ففي السابق كان للسؤال “مع أو ضد؟” دور رئيسي في إقامة الشراكات مع القوى العظمى. والان لا يوجد شيء من هذا القبيل.
ومن المرجح أن تلبي دول الشرق الأوسط عاجلاً أم آجلاً مطلب السلام الدائم في المنطقة. وفي الوقت نفسه، من الواضح اليوم أنها ما زالت تفتقر إلى الخبرة الدبلوماسية في إجراء مفاوضات ناجحة لحل مشاكلها بنفسها من دون وساطة الدول الغربية.
ومن الضروري أن نلاحظ دور بلدان المنطقة المتزايد والناجح للغاية كوسطاء دوليين في الصراعات الإقليمية والعالمية. فقد شاركت السعودية في محادثات السلام بشأن السودان، ونظمت لقاءات بين ممثلي الولايات المتحدة وروسيا وأوكرانيا والولايات المتحدة بشأن تسوية النزاع في أوكرانيا. وساهمت سلطنة عُمان في تسهيل عقد لقاء بين مفاوضين أميركيين وإيرانيين، كما نظمت الإمارات العربية المتحدة عملية تبادل للأسرى من روسيا وأوكرانيا. نظمت قطر مفاوضات مع القيادة الأفغانية الحالية.
عن صحيفة نيزافيسيما غازيتا (الصحيفة المستقلة) .










