ريسان الخزعلي
1
« سوف َ « تُستخدم للتسويف ، إي إطالت وقت الفعل المضارع – الذي تدخل عليه - أكثر من ال “ سين “ . وإن الإثنين يدخلان على الفعل المضارع كي يُشار به ِ إلى المستقبل . في الأولى إلى المستقبل غير القريب ، وفي الثانية إلى المستقبل القريب . ومن خصائص ( سوف َ ) أن لا تأتي بعدها أداة النفي ( لن ) ، لأنّها أي سوف َ تُفيد الإثبات ، ولا يصح أن يجتمع الإثبات والنفي في صيغة واحدة ، كالصيغة ( سوف َ لَن ) .
2
في الشعر ضرورات معروفة ، لم يكن من بينها ضرورة اجتماع ( سوف ولن ) . وفي هذا السياق استوقفتني قصيدتان للشاعرين المعروفين ( خليل حاوي وعبد الرحمن طهمازي ) في مجموعتيهما ( بيادر الجوع وذكرى الحاضر ) على التوالي ، وقد ورد فيهما استخدام الصيغة ( سوف َ لن ) .
الشاعر / خليل حاوي / شاعر مجدد يتمتع بخصوصية شعرية ، شاعر ذو مكانة في حداثة الشعر العربي ، وله من المجاميع الشعرية : الناي والريح ، نهر الرماد ، بيادر الجوع ، الرعد الجريح ، من جحيم الكوميديا .
أما الشاعر / عبد الرحمن طهمازي ) فهو الآخر من شعراء الحداثة ، وله ُ تماسّات مهمّة مع الفكروالثقافة العامّة ، شاعر ذو تخصص في اللغة العربية ، أكاديميّا ً وتدريسيا ً ، له من المجاميع الشعرية ( ذكرى الحاضر وتقريظ للطبيعة ) ومجموعتين أخريتيَن لم أتوافر عليهما . وله ُ كتابات يُعتد ّ ُ بها في الفكر والفن التشكيلي ، والسرد – ( مرآة السرد ) مع الدكتور / مالك المطلبي / عن القاص / محمد خضير / وغيرها .
3
حين أُورد المقاطع الشعرية التي وردت فيها صيغة ( سوف َ لَن ) لا أقصد أنّهما لم يدركا خطأ استخدام هذه الصيغة ، إذ أنهما شاعران يُجيدان الصياغات اللغوية والتراكيب الفنية على السواء في الشعر وفكرة الشعر من دون أدنى شك في ذلك ؛ لكن َّ انتباه القراءة قد أشارني إلى الذي حصل ، هل أنّه ُ جاء بفعل ِ استرسال ٍ شعري إيقاعي طاغ ٍ لم يوقفْه ُ الخطأ وغالبته ُ عدم القصديّة ، أم تم َّ باعتباره ضرورة شعرية ؟؟ والاعتبار غير وارد إذ لا توجد ضرورة شعرية تُبيح هكذا صيغة استخدام كما أوضحنا .
إن َّ التعليل كامن في الدوافع الشعرية للشاعرين لتبرير ما حصل ، ولكن لم نجد أي َّ هامش ٍ يعلل الاستخدام هذا ، وسيبقى ما استوقفنا قائما ً .
1 - مقطع قصيدة الشاعر / خليل حاوي / من ديوان ( بيادر الجوع - دار الآداب 1965 ص : 73 ) ... :
طَرَبي للكافر ِ المخذول ِ ينحل ُّ
ويجري في المجارير ِ الوخيمه ْ
سوف َ لن يرجع َ في الريح ِ
ولن يضرب َ صمت َ الباب ِ بعد َ الباب ِ
يستصرخ ُ، يستسقي الدماء ْ
يزعج ُ السمّار َ في شجو ِ المساء ْ
سوف َ لن يحكي : رفاق ُ العمر ِ غربان ُ الضمير ْ ...
..........،
2 - من قصيدة الشاعر / عبد الرحمن طهمازي / ديوان ( تقريظ للطبيعة – وزارة الثقافة والاعلام 1986 ص : 42 ) ... :
حالما تضع ُ الشجرة
رأسها في يد ِ الخريف
سوف َ لن تسأل الشجرة
أين َ ثعبانها الجذر ، أين َ الحديد الذي انكسرا ...
4
أجد أن َّ عدم القصديّة تعليل مخاتل ، والشعراء يُعتد ّ بهم ، و يعتد ُّ عليهم أيضا ً ...
"سوف َ لَن" الشعراء يُعتد ُّ بهم ويُعتد ُّ عليهم أيضاً

نشر في: 4 مايو, 2025: 12:01 ص