اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > حب فـي زمن الطاعون وجدل القراءة المغايرة

حب فـي زمن الطاعون وجدل القراءة المغايرة

نشر في: 22 فبراير, 2011: 06:42 م

سعد عزيز عبد الصاحب ينتمي نص مسرحية (حب في زمن الطاعون) للكاتب (عبد الخالق كريم) الى السردية المسرحية التسعينية التي ترتكز دراميا على الذاتي (التعبيري) في صناعة شخوصها، بحيث تأخذ من نموذج المسرحية التعبيرية معظم عناصرها، مطعمة بالفكر الوجودي وفلسفته العدمية، ولنا في نصوص(فلاح شاكر) خير دليل على طبيعة الانتاج النصي لتلك المرحلة في ضوء الثنائية الدرامية التي يصنعها، والمرتكزة أصلا على شخصية واحدة في بوحها الذاتي وإرهاصها.
لتولد واحدية الشخصية شخصيات اخرى تنبثق من الوجود اللامنتمي بالشخصية، لتركب هذه الاخيرة المبنى الدرامي من خلال ذاكرتها واسترجاعاتها الزمنية او حلمها الذهاني، فالمتن الحكائي لنص (حب في زمن الطاعون) يضعنا امام زوجة يتناهبهاكابوس دائم تتعرف فيه على ان افراد البيت الخمسة وهي من ضمنهم سيموتون واحدا تلو الاخر، وان الباقي من الاحياء هم اثنان فقط ينتظرون دورهم، تسرد الزوجة لزوجها ما رأته في حلمها، ليقف مذهولا منصاعا لمقولة الرؤيا، ويبدا الصراع الدرامي بينهما، صراع الموت/ الحياة، البقاء/ الفناء، الحقيقة/ الوهم، في ضوء ايهما يضحي بنفسه كي يحيى الاخر، الزوج ام الزوجة، ليبتكر ذهن الزوجة ووهمها شخصا ثالثا ، وهو هنا الجنين في بطنها ، يضع الزوج في امتحان البقاء عندما تموت الام وجنينها !!..الزوج:- اننا نمتحن بالمصائب كي نعرف من منا اكثر ايمانا بحبه فيموت دونه. هذه اللعبة التي هي في ذهن الزوجة وحدها تدعنا امام شخصيتها المرضية، فالمسرحية هي اقرب الى نسق المونودراما، في ضوء منظومة افعال الزوجة التي بدورها تقود الحدث الدرامي وتحولاته، ويفتح المؤلف (كريم) بذلك شكلا لغويا ذهانيا للزوجة ، في حين يقبع الزوج في شكل لغوي واقعي وموضوعي لا يخلو من شعرية، اذاً فالمسرحية في مبناها النصي ترتبط فلسفيا بالفلسفة الوجودية العدمية في ضوء متوالية الموت الذاتية المتمركزة في الزوجة بشخصيتها المحبطة التي تتطابق مع الواقع الاجتماعي والنفسي لفترة التسعينيات.قام المخرج (اسامة السلطان) بقراءة جديدة تجعل من المسرحية ذات شكل سوريالي وغرائبي ، موظفاً النص وشعريته باجتراح نص عرض جديد، اذ جعل الشخصيتين (الزوج والزوجة) ميتين اعاد لهم الحياة، مفلسفاً رؤيته في ضوء ان الموت هو الحقيقة الكبرى، فالناس نيام اذا ماتوا انتبهوا، ذا جعل المخرج العرض في منطقة بين الموت والحياة ، منطقة برزخية انتقالية، منطقة اعتراف وإرهاص، معبرا عنها سينوغرافيا باللون الأبيض الثلجي من خلال شرشف ابيض عريض أشبه بالكفن ليصبح العلامة اللونية الغالبة في العرض، وثبت في الخلفية شاخصين عبارة عن صورتين كبيرتين للزوج والزوجة اشبه بشواهد القبور، مع قطع قماش بيضاء مختلفة الأطوال تلعب بها الشخصيات، أما الإضافة الدرامية التي أضافها المخرج فهي شخصية الشبح او الموت الذي يحاول ان يقبض روح الزوجة في كل مرة، ويطرب للصراع بينها وبين الزوج، ويحزن لعودة الود بينهما، هذا الشبح الذي تراه الزوجة وحدها وتتفاعل معه في حين ان الزوج لا يرى، لان المسرحية مبنية على فكرة الصوت الواحد (الزوجة) كما أسلفت مما يعطيها حرية التعبير واللعب بمبنى العرض ومعناه، وشكلت الشراشف الصغيرة بتحولاتها الدلالية شكلا تعبيريا وجماليا، اذ تحولت إلى مشيمة طفل في بطن أمه من خلال تكور الشبح فيه، وتحوله الى لباس عفه (حجاب) والى مقود عربة يقودها الزوج وحصانها الزوجة الهائجة والى (ايقونة) بدلالة تقليدية(كفن) يغطي الزوج والزوجة في نهاية العرض.تضع اللغة الشعرية لنص (حب في زمن الطاعون) الممثل في محنة التشخيص المباشر، ومحاولته الاستعراض الحركي بوقفات مباشرة ومواجهة، مما يضعف روح التشاركية ويجعل المتلقي يصغي لمنصة خطابه! استطاع الممثلون ان يخلصوا العرض وانفسهم بالنتيجة من رثاثة الاستعراض الحركي واللغوي، وانتبهوا للفضاء ومفرداته بوصفه بيئة إيهامية لا يجوز العبور عليها ايغالا في البنية السايكوباثية التي تشترحها شخصية الزوجة التي  ادتها بتمكن الممثلة (أميرة جواد) فالأداء عندها يرتبط ارتباطا أصيلاً بالذهان والوسواس والذي لا يمكن القضاء عليه الا باضطهاد الجسد وإرجاعه للواقع فتتحرك الزوجة بحرية جسدية الا انها مكبلة بنكوص ايروتيكي / نفسي حين تفشل في معالجة كابتها فتلجا الى وقفات وتوسد حار لجسد زوجها المعطل! في حين كان الزوج والذي ادى شخصيته بوعي الممثل (طه المشهداني) يرتبط بالواقعي والاجرائي لا الإيهامي فنراه يكسر مناطق الحلم والغيبوبة لدى الزوجة ليعيدها الى الواقع، فتصفعه الزوجة محاولة رده الى منطقتها الممسوسة، في حين جاء الأداء الحركي للممثل (احمد محمد صالح) الذي ادى شخصية الشبح بمرونة حركية جيدة وكان من الممكن توظيف طاقته الحركية في مديات اكبر من خلال اشغاله بخلفية المكان مع الصور المعلقة في فصلهما عن بعضهما او تشويههما، وكان من الممكن ان لا ينطق الى نهاية العرض، حيث انه حين نطق لم يأت بجديد، إذ الجثة كانت واضحة لنا دلالاتها والكفن علامة بينة اكثر من ان تعرف.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram