بغداد / المدى
أكد المركز الستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق، أن مؤشر منظمة "مراسلون بلا حدود" لعام 2025 وضع العراق في المرتبة 155 عالمياً، مسجلاً تقدماً مقارنة بالمرتبة 169 التي احتلها في عام 2024، و172 في عام 2023، مشيراً إلى أن العالم يشهد تدهوراً غير مسبوق في واقع حرية الصحافة.
وذكر رئيس المركز فاضل الغراوي في بيان، أمس السبت، أن "دولاً مثل النرويج والدنمارك والسويد تصدرت المراتب الثلاث الأولى على المؤشر، في حين شهدت السنوات الثلاث الماضية (2022–2024) مقتل أكثر من 203 صحفيين حول العالم، بالإضافة إلى إصابة واعتقال وتهديد المئات منهم في سياقات النزاعات المسلحة والقمع السياسي وتقييد الحريات".
وأشار إلى أن "التقرير أظهر تفاوتاً كبيراً في مستويات حرية الصحافة بين الدول العربية، حيث جاءت قطر في المرتبة 84، وتونس في المرتبة 118، والمغرب في المرتبة 129، ولبنان في المرتبة 130، والكويت في المرتبة 131، والأردن في المرتبة 132، وعُمان في المرتبة 137، والجزائر في المرتبة 139، وليبيا في المرتبة 143، بينما جاءت فلسطين في المرتبة 157، والإمارات في المرتبة 160، والسعودية في المرتبة 166، ومصر في المرتبة 170، والبحرين في المرتبة 173، وسوريا في المرتبة 179 مسجلة أسوأ المؤشرات عربياً وعالمياً".
وأوضح الغراوي أن "العراق لا يزال يسجل أعلى عدد من الصحفيين الشهداء عالمياً خلال الثلاثين عاماً الماضية، حيث تم قتل أكثر من 340 صحفياً من أصل 2660 صحفياً قتلوا عالمياً في نفس الفترة".
وأضاف أن "هذا التباين في حرية الصحافة على الصعيدين العالمي والعربي يعود إلى الرقابة الحكومية، والتشريعات المقيدة، وغياب الاستقلالية الإعلامية، فضلاً عن ارتفاع وتيرة الانتهاكات ضد الصحفيين والخوف من الملاحقة".
ودعا الغراوي الحكومة والبرلمان والمؤسسات المعنية كافة إلى الإسراع في تشريع قانون "حق الحصول على المعلومة" لضمان حرية الوصول إلى المعلومات وتعزيز الشفافية ومكافحة الفساد، مشدداً على أهمية تشريع قانون شامل لحماية الحريات الصحفية وتوفير بيئة قانونية آمنة للصحفيين.
كما طالب بتعزيز الإجراءات الأمنية والقانونية لحماية الإعلاميين، وملاحقة مرتكبي الانتهاكات بحقهم، وإنهاء ظاهرة الإفلات من العقاب، مؤكداً ضرورة مراجعة التشريعات المقيدة للعمل الصحفي وتعديلها بما يتماشى مع الدستور والمعايير الدولية.
واختتم الغراوي بتأكيد ضرورة دعم النقابات والمؤسسات الإعلامية المستقلة، وتوفير برامج تدريبية لتطوير الكفاءة المهنية، مشيراً إلى أن حماية حرية الصحافة تمثل مسؤولية وطنية تقع على عاتق الدولة من أجل تعزيز الحريات والديمقراطية في العراق.
أوضاع الصحفيين في الإقليم
من جانبه، أعلن مركز "ميترو" للدفاع عن حقوق الصحفيين، أن حرية التعبير في إقليم كوردستان ما تزال دون المستوى الذي يطمح إليه المجتمع والصحفيون، رغم تراجع عدد الانتهاكات المسجلة خلال السنوات الأربع الماضية.
وقال مدير المركز ديارى محمد، خلال مؤتمر صحفي عقده في السليمانية، إن "التراجع الكمي في عدد الاعتداءات لا يعني تحسنًا نوعيًا، إذ أن السلطات ما تزال تستخدم أساليب جديدة في التضييق على حرية الرأي والعمل الصحفي، ما يؤكد أن جوهر السياسة المتبعة لم يتغير". وأضاف محمد، أن "الأساليب الحالية قد تكون أكثر مرونة أو غير مباشرة، لكنها في جوهرها لا تقل خطرًا عن أساليب القمع التقليدية، بل تُظهر تحولًا مقلقًا في التعامل مع الحريات، بما يشكل تهديدًا للفكر المستقل وللإعلام الحر في الإقليم".
ودعا منسق المركز السلطات المعنية إلى "الالتزام التام بالنصوص الدستورية والقوانين المحلية والدولية التي تكفل حرية التعبير وحقوق الصحفيين، مؤكدًا أن أي مساس بهذه الحريات ينعكس سلبًا على المسار الديمقراطي وتقدم المجتمع".
ويأتي هذا التصريح بالتزامن مع اليوم العالمي لحرية الصحافة، الذي يُحتفل به سنويًا في الثالث من أيار/مايو، لتجديد الالتزام العالمي بحرية الإعلام، والتذكير بالدور الحيوي للصحافة المستقلة وحق الأفراد في الوصول إلى المعلومات.
تحديات
وتفيد تقارير بان العراق فقد ما يزيد على 500 صحفي منذ عام 2003 في ظروف مختلفة بسبب العديد من الانتهاكات الحكومية وانتهاكات القوات الأجنبية عدا التنظيمات المتطرفة، وتحولت الأمور لاحقا إلى ملاحقات قضائية وتهديدات وترهيب وابتزاز ومساومة علنية. ويواجه الصحفيون في العراق العديد من المضايقات، وخاصة أثناء العمل الميداني، مثل القتل، والخطف، والاعتداءات الجسدية، والتهديدات، ومصادرة المعدات، والمنع من التغطية، وتحطيم الكاميرات، وأخذ أشرطة الفيديو، والتمييز بين مؤسسة وأخرى، والإبعاد عن العمل بطريقة تعسفية، حيث يُعد العراق من أخطر الدول للعمل الصحفي، خاصة عند تغطية قضايا الفساد أو الاحتجاجات. ويشكّل الجانب المادي للمجتمع الصحفي إحدى المشكلات التي تواجه الغالبية منهم، في ظل التمييز والإقصاء وغياب القوانين التي تحمي حقوق الصحفيين مادياً، حيث يكون الصحفي ضحية ضعف التمويل في بعض المؤسسات لعدة أشهر متتالية، مما يؤثر على استقرارهم ويعرضهم لضغوط من أصحاب النفوذ السياسي الذين يسيطرون على المنافذ الإعلامية.
ويُعد استمرار عدم حماية الصحفيين قانونياً من الدعاوى الكيدية في المحاكم من أبرز المعرقلات التي تحد من إمكانية نقل الحقيقة، في ظل عدم القدرة على مواجهة جهات النفوذ التي تحاول تكسير الأقلام بغية عدم إظهار الحقائق، بالنظر إلى أن الصحافة العراقية أصبحت سلاحاً ذا حدين في العديد من القضايا. وبحسب مراقبين، فان إقرار قانون حق الوصول إلى المعلومة بالصيغة التي قدمتها منظمات المجتمع المدني والصحفيين، وتعديل مواد جرائم النشر ضمن قانون العقوبات العراقي بما ينسجم مع الدستور الكافل لحرية العمل الصحفي سيكون الحل الذي يمثل حل الجزء الأكبر من المشكلة.










