TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > عصر ما بعد الهواتف الذكية : التكنولوجيا تندمج مع أجسادنا

عصر ما بعد الهواتف الذكية : التكنولوجيا تندمج مع أجسادنا

نشر في: 5 مايو, 2025: 12:02 ص

كزافييه دالوز

ترجمة : عدوية الهلالي

يمثل عصر ما بعد الهواتف الذكية تحولاً جذرياً في علاقتنا بالتكنولوجيا. فلن نحمل الهاتف في أيدينا، بل سنقوم بدمجه مباشرة في أجسادنا وملابسنا وإكسسواراتنا. ويؤدي هذا التحول، الذي يطلق عليه «معركة الجسد»، إلى تغيير عميق في علاقتنا بالتكنولوجيا الرقمية.وهكذا تتحول «معركة الجيب» إلى «معركة الجسد»، حيث يصبح كل شيء نحمله بمثابة واجهة مع التكنولوجيا الرقمية.
ويتميز التحول الرقمي الحالي بالعديد من التطورات الكبرى. أولا، تشير تجزئة الأجهزة إلى نهاية عصر الهاتف الذكي الواحد: فبدلا منه، ستظهر مجموعة كبيرة من الأجهزة المتخصصة، مثل الساعات الذكية، والنظارات الذكية، وأجهزة الكمبيوتر المحمولة، والخواتم الذكية، والملابس المتصلة. ويوفر كل من هذه الأجهزة ميزات محددة تتكيف مع استخدامات محددة.
وفي هذه البيئة، تصبح التخصيصات عنصراأساسيا ، فلم يعد المستخدمون يختارون جهازًا فحسب؛ بل يصبحون هم مهندسي النظام البيئي التكنولوجي الخاص بهم، ويقومون بتكوين الأجهزة والبرامج وفقًا لاحتياجاتهم وتفضيلاتهم وأسلوب حياتهم. وتعمل هذه الفردية على تعزيز التجربة الرقمية وجعلها أكثر حميمية وتخصيصًا.
إن الركيزة الأخرى لهذا التحول هي التكامل السلس بين الأجهزة. فلم تعد الأجهزة تعمل بشكل منعزل، بل تتواصل مع بعضها البعض بسلاسة، غالبًا من خلال نقطة تحكم مركزية مثل الساعة الذكية أو المساعد الشخصي الذكي.ويضمن هذا التشغيل البيني تجربة مستخدم متسقة ومتواصلة.
علاوة على ذلك، تعمل الواجهات الطبيعية على إحداث ثورة في طريقة تفاعلنا مع التكنولوجيا،إذ تميل الأوامر الصوتية والإيماءات والتفاعلات اللمسية إلى استبدال شاشات اللمس، مما يوفر استخدامات أكثر غريزية وسلاسة . وهكذا أصبحت التكنولوجيا غير مرئية بشكل متزايد ومتكاملة في حياتنا اليومية.
ويلعب الذكاء الاصطناعي دوراً محورياً في هذا التحول. فمن خلال تنظيم هذا النظام البيئي المعقد، يعمل الذكاء الاصطناعي على تخصيص التفاعلات، وتوقع الاحتياجات، وأتمتة المهام، وجعل الأنظمة أكثر ذكاءً من خلال التعلم الآلي. وبالتالي يصبح رفيقًا رقميًا أساسيًا.
ويساهم الواقع المعزز والواقع الافتراضي أيضًا في هذا التطور ،إذ يعمل الواقع المعزز على إثراء إدراكنا للعالم الحقيقي من خلال تراكب المعلومات السياقية في الوقت الفعلي، بينما يغمر الواقع الافتراضي المستخدمين في بيئات رقمية بالكامل، مما يفتح آفاقًا جديدة للترفيه والتعليم والتدريب المهني.
وفي الوقت نفسه، يتوسع إنترنت الأشياء بسرعة بعد ان أصبحت المنازل والمركبات وأماكن العمل ذكية ومترابطة، وقادرة على تحسين الراحة والأمان وكفاءة الطاقة بناءً على السياقات والتفضيلات الفردية.
وتستمر الأجهزة المحمولة في أن تصبح أصغر حجمًا وأكثر تطورًا، فتركز الساعات الذكية والخواتم والملابس بشكل متزايد على تتبع الصحة والرفاهية والأداء البدني، مما يوفر أجهزة سرية ومريحة وعالية الأداء.وعلى المدى الأبعد، سوف تفتح الغرسات العصبية وواجهات الدماغ والحاسوب آفاقاً جديدة. ومن خلال تمكين التفاعل المباشر بين الدماغ البشري والأنظمة الرقمية، فإنهم يبشرون بتقدم كبير في علاج الأمراض العصبية وتعزيز القدرات الإدراكية.
ولدعم هذا الانتشار الواسع للأجهزة المتصلة، فإن البنية التحتية للاتصالات المتقدمة تشكل أمراً ضرورياً. إن تطوير شبكات الجيل السادس والإنترنت في كل مكان من شأنه أن يضمن سرعات اتصال فائقة السرعة، وزمن انتقال قريب من الصفر، وقدرة هائلة على تبادل البيانات.وتوضح بعض الأمثلة الملموسة هذا التحول:إذ تنقل ساعة Apple Watch المؤشرات من خلال نقرات خفيفة على المعصم، وتوفر حلقة Oura مراقبة صحية متقدمة بتنسيق أنيق وسري، وتقيس ملابس Hexoskin المؤشرات الفسيولوجية في الوقت الفعلي للرياضيين أو المرضى.وإذا نظرنا إلى المستقبل، فإن مثل هذه الابتكارات تبشر بعصر ما بعد الهواتف الذكية. ويعرض هذا الجهاز الذكي المعلومات مباشرة على يدي المستخدم أو الأسطح المحيطة، مما يقلل الاعتماد على الشاشات المادية.
وهكذا، وفي هذا النظام البيئي الجديد، تتلاشى التكنولوجيا إلى الخلفية لتندمج بشكل أفضل في التجربة الإنسانية. إنه تطور عميق في علاقتنا بالتكنولوجيا الرقمية وببيئتنا وأجسادنا.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram