ستار كاووش
حملتُ صينية القهوة وبعض الكعك وخطوتُ نحو الدفيئة الخلفية الملتصقة بالحديقة، وقد بدأ ضوء الصباح يتسلل من خلال نوافذها العريضة وسقفها الزجاجي، وقد سبقتني زوجتي الى هناك. وما أن أمسكنا بقدحَي القهوة، سمعنا سقوط شيء ما على السقف، وحين رفعتُ رأسي للأعلى بانَتْ بقع فضلات أحد النوارس التي إنتشرت متشظية بعد أن ألقاها بطريقة الرسام جاكسون بولوك. «كيف سننظف الزجاج الآن؟» هكذا قالت زوجتي، فأجبتها بأني قرأت ذات يوم بأن فضلات الطيور تجلب السعادة والحظ. نظرتْ اليَّ غير مقتنعة بهذا التفسير، وأنا أُكرِّرُ على مسامعها بأنها سترى هذا بنفسها. عادَ الهدوء من جديد وبدأ الضوء يسطع أكثر، وفيما كنتُ أهمُّ بأخذ قضمة صغيرة من قطعة الكعك، سمعنا جلبة في الخارج، وكأن شيئاً ما قد سقط أو تهاوى. وبما أننا كنا في خلفية البيت، لذا لم يصلنا الصوت عالياً، وقبل ذهابي لإستطلاع الأمر، قالت زوجتي بطريقة ساخرة: «يبدو أنه الحظ الذي جلبته لك الطيور»، بدوتُ كأني أتعثر بكلماتها، وما وصلتُ النافذة المطلة على الشارع، حتى رأيتُ العامل الذي يقوم بتصليحات واجهة مطعم البيتزا المحاذي لنا، منحشراً بين سيارته والسقالة الحديدية العالية التي سقطت عليه، بشكها المربع الثقيل وإرتفاعها الهائل، ومن فرط ثقلها إنكبسَ المسكين بينها وبين سيارته الواقفة في الجانب، لا يستطيع الحراك ولا التنفس بسهولة، أو حتى إطلاق صوتاً للإغاثة، ومازاد الطين بَلَّة هو أن سيارته قد حجبتهُ عن الشارع الخالي من الناس أصلاً. فقفزتُ مسرعاً نحو الخارج ولحِقَتْ بي زوجتي، محاولين إزالة الدعامات الحديدية التي تجثم على صدر الرجل، لكن دون جدوى، فقد كانت ثقيلة جداً ونحتاج الى بضعة أشخاص معنا للقيام بهذه المهمة. حاولتُ أن أفك بعض الأجزاء الحديدية والرجل مازال يأنّ ويتألم، لكن محاولاتي ذهبتْ أدراج الريح، فتحركتُ هنا وهناك بحثاً عن حل سريع وسط الشارع الفارغ، لكن لم أفلح بشيء. والأدهى من ذلك أن الرجل رغم صعوبة تنفسه حاول أن يقول لي شيئاً ما لكني لم أفهم بالضبط ما يريد قوله، فهو كان أرمنياً -عرفتُ هذا في اليوم التالي_ ولم يمض على وجوده في هولندا سوى فترة قصيرة جداً، لذا يكاد لا يعرف شيئاً من اللغة الهولندية. وفيما نحن وسط البحث عن حل، شاهدتُ رجلاً مع زوجته يسيران في الجهة الأخرى من الشارع، فصرختُ نحوهما طلباً للمساعدة. كانا غريبان عن الشارع وإقتَرَبا منّا قليلاً دون فهم سبب الصراخ، لأنهما لم يتمكنا من مشاهدة الرجل المنحشر بين قطع الحديد، وحين إستعلجتهما على الإقتراب أكثر، ركضا نحونا بعد رؤيتهما المشهد. وهكذا إستطعنا نحن الأربعة أن نرفع السقالة بضعة سنتمترات حتى يخرج الرجل الذي بانت بعض الكدمات على رأسه وذراعه، والذي نزع كنزته بسرعة ووضعها في المكان الذي كان يشغلهُ بين السيارة والسقالة قبل أن نُنزلها، فهو لم ينس سيارته وسط هذا الحدث وأراد أن يُقلل من أضرارها.
شكرنا الرجل وزوجته على المساعدة، وقبل أن يكملا الطريق قال لي الرجل (يجب إن تنتبه أنتَ وصاحبك جيداً، ولا تعملان إلا بعد تثبيت السقالة بشكل آمن) وهنا فهمتُ بأن الرجل قد ظن بأني شريك هذا العامل الأسمر ولم يعرف بأني أسكن في البيت الملاصق وجئتُ لمساعدة الرجل. فشرحتُ له الأمر وأشرتُ بأصبعي نحو بيتنا الملاصق، فهم الزوجان الأمر ومضيا في طريقهما بعد تحيتنا، فيما تبادلنا أنا وزوجتي نظرة (ماكرة) مع إبتسامة رضا. وبعد الإطمئنان على الرجل وسؤاله إن كان بحاجة للذهاب الى المستشفى، لكنه كان صلباً أكثر مما توقعته حيث إنتصب بجسده الممتليء، مُشيراً بقبضتي يديه كونهُ سليماً وأن ما حصل له ليس سوى كدمات بسيطة.
في اليوم التالي خرجتُ صباحاً للتبضع، فرأيتُ ذات العامل وقد لَفَ ذراعه بضمادة، متأهباً للعمل وهو يقف بجانب السقالة التي إنتشلها بواسطة رافعة، وحين رآني إنفتحت أساريره منادياً (خود مورخن دي رَدَر) ومعناها (صباح الخير أيها المنقذ) ويبدو أنه تعلمها في ذات اليوم كي يتلفظها أمامي بطريقته الحماسية، وهكذا أخذ يكرر كلمة المنقذ أكثر من مرة وأنا أحاول الاطمئنان عليه. وقبل أن أكمل طريقي، طلبت منه أن يتأني في العمل وينتبه الى مكان وقوف وثبات السقالة التي بدتْ شاخصة فوق رأسينا مثل حصان طروادة.










