بغداد / عبود فؤاد
رغم محاولات إعادة الحياة إلى الإشارات المرورية في تقاطع الشوارع ببغداد، إلا أن تلك المساعي لم تنجح وبقيت الألوان الثلاثة مطفأة ويتحكم بالسير رجال المرور.
مصادر قالت لـ(المدى) إن تعطيل إشارات المرور سببه نقص الكهرباء، ورفض المسؤولون لإشارات المرور التي تعيق حركة مواكبهم.
تشهد شوارع بغداد والمحافظات العراقية ازدحامات مرورية مُزمنة، لا تُعزى فقط إلى سوء البنية التحتية أو زيادة عدد السيارات، بل أيضاً إلى انتهاكات متكررة للقانون المروري من قبل مواكب السياسيين والعسكريين. هذه المواكب، التي تتجاهل الإشارات الضوئية وتقطع الطرق بشكل عشوائي، تساهم في شل الحركة المرورية وتعريض حياة المدنيين للخطر، وفقاً لشهادات مواطنين وتحليلات الخبراء.
وتشير بعض التقارير إلى أن بعض هذه المواكب لا تحمل صفة رسمية واضحة، ما يفاقم من حالة الفوضى ويزيد من صعوبة محاسبة المسؤولين عنها أمام القانون. تُظهر إحصائيات 2023 أن شوارع العراق تعاني من معادلة مرورية معقدة: 7 ملايين مركبة تزحف على طرقٍ تُصمَّم لـ3 ملايين فقط. لكن الأزمة لا تقف عند سوء البنية التحتية، بل تمتد إلى "ثقافة الامتياز" التي تسمح لمواكب المسؤولين بتعطيل الحياة اليومية.
كاظم جواد "سائق تكسي" منعه ازدحام بسبب إحدى المواكب من نقل شاب إلى والده المحتضر، ليست سوى نموذج لأزمة إنسانية تتفاقم بسبب الانتهاكات. قال السائق كاظم جواد "ليست المشكلة في الازدحام فقط، بل في تصرفات المواكب السياسية التي تنتهك القانون وتتعامل مع الطريق وكأنه ملك خاص".
وأضاف: "شهدتُ أكثر من مرة قيام تلك المواكب بعكس السير أو إغلاق الطريق بشكل كامل دون سابق إنذار، مما يضطرنا للانتظار لساعات".
فوفقاً لشهود عيان، انتهك الموكب 3 مواد مرورية دفعةً واحدة: استخدام الطرق العامة لأغراض شخصية، وعدم استخدام إشارات تنبيه، وتعريض حياة المدنيين للخطر.
هذا الواقع اليومي لا يُمثّل فقط اختناقاً مرورياً، بل يعكس أزمة ثقة متصاعدة بين المواطن ومؤسسات الدولة، حيث يشعر كثيرون بأن القانون لا يُطبق بعدالة، وأن الامتيازات تتقدّم على حقوق الناس وأولوياتهم.
في سياق متابعة الملف، أصدرت وزارة الداخلية بياناً في 29 تشرين الأول/أكتوبر 2022 أكدت فيه توجيه "مديرية المرور العامة" بضمان انسيابية الحركة وعدم عرقلة الطرق أمام المواكب العسكرية. لكن الواقع يُظهر تناقضاً صارخاً بين التصريحات الرسمية والممارسات الميدانية، حيث تُركّز الانتهاكات على غياب الإرادة السياسية لتفعيل القانون.
من جانبها، حرصت جريدة (المدى) على التواصل مع مدير العلاقات المرورية في وزارة الداخلية (العميد نصير) عبر الرسائل والاتصالات، للحصول على توضيحات حول هذه الانتهاكات، لكن الجهة المعنية لم تُجب على أي استفسار، رغم أن المادة (19) من الدستور العراقي تُلزم الدولة بضمان حق الحصول على المعلومات، وأن القانون رقم (21) لسنة 2011 يُلزم المؤسسات الحكومية بالرد.
تُطرح هنا أسئلةٌ حرجة: هل تُدار الأزمة المرورية بمعايير مهنية أم بمنطق الامتيازات؟ وهل تُطبَّق القوانين على الجميع أم أن "السلطة فوق العدسة"؟ في ظل غياب الردود الرسمية، تبقى هذه الاستفهامات جرس إنذار لمستقبل مروري يئن تحت وطأة ازدحام لا يرحم.
المشهد المروري في العراق ليس مجرد أزمة تقنية، بل مرآة تعكس اختلالات عميقة في نظام الحوكمة. ففي الوقت الذي تُنفق فيه الدولة ملايين الدولارات على مشاريع مرورية وهمية، تُهمل الإصلاح التشريعي وثقافة الاحترام المتبادل.










