المدى/ أيّوب سعد
في الدنيا أصدقاء كُثر، وفي قلبي أصدقاء قلائل، كلهم بلا استثناء يعشقون أنغام، لا أعني أنغام الموسيقى فقط، بل أنغام الإنسانة، المطربة، الوجه والصوت والتاريخ، أنغام منذ بداياتها وحتى اليوم، بملامحها المتبدلة، بأغنياتها التي ترقرقت كالماء من جداول التسعينات وحتى بحر التجارب الناضجة.
يرون فيها رفيقة حبٍّ، ومرافقة كسرٍ، وصوتَ نضجٍ عاطفي لا يخبو، أحاديثهم عنها لا تتوقف، في المقاهي، في ستوريات الإنستغرام، في الرسائل الطويلة والقصيرة، أنغام التي كانت ولا تزال تربّيهم على العاطفة وتربّي علاقاتهم كما تربّي الأم أبناءها.
أما أنا، فأحببتها مرةً واحدة، ولم يكن حباً عابراً، بل حباً مركّزاً، صافياً، كأن الحياة توقفت لتقول لي: "هذه نغومة التي تخصّك". في تلك اللحظة، في تلك الأغنية، تجلّت: "هذه ليلتي".
هي ليست أغنيتها، أعلم، إنها لأم كلثوم، لكن أنغام في تلك اللحظة لم تكن تغني، بل كانت تتلبّس الأغنية، تسكنها، تجعلها لها، كما لو كانت وُلدت لها، في تلك الصورة، في ذلك الأداء، تحوّلت في عيني من مطربة إلى رمزية، من صوت إلى ذكرى، من فنانة إلى حالة شعورية لا تُنسى.
منذ تلك الليلة، أحببت أنغام، ليس كما يحبها أصدقائي، ليس عبر ألبوماتها، ولا من خلال مسيرتها الطويلة، بل أحببتها كما يحب شاعرٌ قصيدته الأولى، وكما يحب فنانٌ لوحته التي بدأ منها الطريق، أحببتها كأنها أغنية واحدة، وصورة واحدة، ومشهد لا يتكرر.
أسمعها أحياناً مصادفة، في راديو السيارة، في طريق طويل من بغداد إلى الأنبار أو إلى كردستان.
لا أبحث عنها، لكنها تأتي، فتذكّرني بأن الحب لا يحتاج إلى وفرة، بل إلى لحظة صدق واحدة.
وهكذا بقيت، أنغام عند أصدقائي حكايات متفرقة، وأنغام عندي حكاية واحدة لم تكتمل، ولا أريد لها أن تكتمل.










