بغداد / عبود فؤاد
في بساتين محافظة ديالي، التي طالما نَظَرَ إليها المزارعون بِفَخْر كمصدر رزقهم وتراث أجدادهم. فبعد أن كانت هذه البساتين تُشكّل عصب الاقتصاد المحلي ورمز الهوية الزراعية للمنطقة، اجتاحتها ذبابة البحر المتوسط (Ceratitis capitata) كعاصفةٍ لا تُبقي ولا تَذَر، مُحَوِّلةً أحلام المزارعين إلى كابوسٍ يومي.
فمع تفاقم انتشار هذه الآفة، لم يَعُد أمام أصحاب البساتين سوى خيارين كُلاهما مُرّ: إما قَطْف الثمار قبل أوانها، مما يُقلل من قيمتها السوقية ويُهدد سمعتها في الجودة، أو انتظار نضجها ومُجازفة بخسارة المحصول بالكامل. وهكذا، أصبحت جهود عامٍ كاملٍ عُرضةً للضياع بين فكّي هذه المعضلة.
تحدث المزارع عباس سالم ل (المدى) "إن هذا الأمر لا يهدد أرزاقنا فحسب، بل يوشك أن يمحو تراثاً زراعياً عريقاً! هذه البساتين التي ورثناها عن آبائنا وأجدادنا، والتي كانت مصدر فخر لأهل ديالي، نقطقها قبل أوانها ويوما ما سنفقدها وبهذا سنفقد هوية ديالى كمدينة للبرتقال بسبب الإهمال".
وأضاف "نواجه هذهِ الازمة بحلول فردية ، ننصب "المصائد الفرمونية" ونحاول حصاد الثمار مبكراً، لكن هذه الإجراءات تبقى مجرد مسكنات مؤقتة والزراعة في ديالي تقف على حافة الانهيار، وذبابة البحر المتوسط ليست سوى حلقة في سلسلة طويلة من الأزمات التي تُهدد هوية المحافظة كـ"عاصمة للبرتقال".
من جانبه، أوضح المزارع مالك محمد في حديثه ل(المدى) " لا يمكن القضاء على جذور المشكلة بدون تدخل مؤسسي منظم، وبدعم حكومي فعّال، وتوفير مبيدات متخصصة، وبرامج مكافحة متكاملة".
مؤكداً " تظل كل هذه الجهود الفردية عاجزة عن إنقاذ المحاصيل. كما أن غياب التوعية الزراعية وبرامج الإرشاد الفني يزيد من معاناة المزارعين، الذين يضطرون لتحمل تكاليف باهظة لحلول غير مجدية، بينما تستمر الخسائر في التصاعد عاماً بعد عام". في إطار متابعة أزمة ذبابة البحر المتوسط التي تهدد بساتين ديالى، أجاب مدير قسم الوقاية في مديرية زراعة ديالى" علي عبد الله" على أسئلة "المدى"، مؤكداً أن الإجراءات الحالية "تُنفذ وفق الإمكانيات المتاحة"، لكنها تحتاج إلى دعم مالي أكبر لتعزيز فعاليتها.
وصف علي عبد الله استجابة الحكومة المركزية للأزمة بأنها "جيدة في إطار الإمكانيات"، مشيراً إلى أن "زيادة التمويل ستؤدي حتماً إلى نتائج إيجابية أعلى". ولم يُحدد مدى كفاية الميزانية الحالية، لكنه لفت إلى أن التعامل مع الآفة يتطلب "برامج مكافحة متكاملة تحتاج إلى موارد إضافية".
الإجراءات العاجلة
كشف عن تنفيذ المديرية حملتين سنويتين لمكافحة الذبابة:" موسم ربيعي وآخر خريفي" ، بالتعاون مع دائرة وقاية المزروعات، واصفاً نتائجها بـ"الإيجابية". إلا أن المزارعين يشيرون في المقابل إلى أن هذه الحملات "لا تكفي لاحتكار تفشي الآفة"، بحسب ما نقلت "المدى" عنهم سابقاً.
أكد علي عقدَ "ندوات إرشادية في المناطق المصابة"، تهدف إلى توعية المزارعين بـ"خطورة الذبابة وأفضل طرق المكافحة"، بما في ذلك استخدام المصائد الفرمونية والمبيدات المتخصصة. لكن تقارير ميدانية أشارت إلى أن غياب الدعم المادي يُضعف اعتماد هذه الحلول بشكل واسع.
أيد رأي الباحثين بأن "الاستيراد غير المُراقب للفاكهة عبر المنافذ الحدودية" يُعد عاملاً رئيسياً في تفشي الذبابة، مضيفاً أن "ضعف إجراءات الحجر الزراعي يسهم في استمرار الإصابات". ودعا إلى تشديد الرقابة على الواردات، خاصة من الدول التي تنتشر فيها الآفة.