TOP

جريدة المدى > سياسية > قانون التعليم الإلزامي في العراق يُغلق أبواب المدارس أمام الأطفال 

قانون التعليم الإلزامي في العراق يُغلق أبواب المدارس أمام الأطفال 

فجوة بين التشريع والتنفيذ

نشر في: 7 مايو, 2025: 12:07 ص

 بغداد – تبارك عبد المجيد

في أحد الأزقة المزدحمة ببغداد، يمسك الطفل حسن بقطعة قماش مبللة، ويجول بين السيارات عند إشارات المرور، باحثا عن لقمة يسد بها جوعه، بعدما ترك مقعده الدراسي مرغما ليلتحق بسوق لا يعرف الرحمة. هذا المشهد، رغم مأساويته، لم يعد استثناءً، بل صار يوميا في مدن العراق، حيث يُختطف التعليم من أيدي الأطفال، وتُغلق أبواب المدارس أمام أحلامهم.
بالرغم من وجود قانون التعليم الإلزامي رقم 118، الذي ينص على فرض عقوبات ضد أولياء الأمور الذين لا يلتزمون بتعليم أبنائهم، يبقى التطبيق ضعيفا للغاية. حيث تستمر ظاهرة تسرب الأطفال من المدارس في العراق، في غياب تام للإجراءات الرادعة أو الخطط الجادة لإعادتهم إلى التعليم.
الناشطة في مجال التعليم، أروين عزيز، تحذر من أن "عدم تطبيق القوانين الخاصة بحماية الطفل والتعليم لا يهدد حاضرهم فحسب، بل ينسف مستقبل العراق بأكمله."
وتؤكد عزيز لـ "المدى"، أن "الاستهانة بالمرحلة العمرية المبكرة تدفع الأطفال لتحمّل أعباء نفسية وجسدية تفوق طاقتهم، ما يحرمهم من بيئة طبيعية للنمو والتعلم". وتضيف بأسى أن "غياب المحاسبة القانونية شجّع عدداً من العائلات على إجبار أطفالها على ترك مقاعد الدراسة، والزج بهم في سوق العمل، دون خشية من تبعات قانونية أو اجتماعية". وتكمن خطورة هذا الإهمال، بحسب عزيز، في النتائج المترتبة على المدى الطويل؛ إذ تحذر من تفاقم ظواهر الجريمة، وتفشي تعاطي المخدرات، وتقلّص الفرص المتاحة أمام جيلٍ كامل لبناء مستقبل مستقر. فحين يُختطف التعليم من الطفل، يختطف معه الأمل، ويُفتح الباب واسعا للفوضى المجتمعية.

تناقضات قانونية!
في العراق، يشكل الشباب غالبية السكان، مما يجعل من الاستثمار في الطفولة والتعليم أولوية استراتيجية لا يمكن تجاهلها. ومع ذلك، وعلى الرغم من وجود نصوص دستورية وقوانين عمل تمنع تشغيل الأطفال دون سن 18 عاما، لا يزال المشهد الواقعي بعيدا كل البعد عن هذا الإطار القانوني، ويعاني من فجوة بين التشريع والتنفيذ.
فبحسب القانوني زين العابدين محي، ينص الدستور العراقي، وتحديدا في المادة 34، على التزام الدولة بتوفير التعليم ومحو الأمية، كما يضمن حماية الطفولة. لكن هذه النصوص، كما يصفها، تبقى حبيسة الأوراق، تُزين الخطابات الرسمية، دون أن تجد لها طريقا إلى التطبيق.
"المشكلة ليست في غياب القوانين، بل في غياب من يُطبقها"، يقول محي لـ "المدى"، بنبرة يملؤها الأسى، مشيرا إلى أن قانون العمل العراقي يمنع بشكل صريح تشغيل الأطفال دون سن الـ18 عامًا. ومع ذلك، تزداد أعداد الصغار الذين يُزج بهم في سوق العمل، من تصليح السيارات إلى البيع في الأسواق، مرورا بحمل الأحمال الثقيلة في الورش الصناعية، في انتهاك قانوني صارخ لا يلقى رادعًا. هذا التناقض الصارخ بين ما يُكتب وما يطبق لا يعكس فقط عجز المؤسسات الرسمية، بل يكشف أيضًا عن تواطؤ الصمت في تعميق أزمات الطفولة من التسرب الدراسي، إلى الفقر، وحتى الاستغلال. ويؤكد أن غياب الرقابة القانونية وندرة المحاسبة يفتحان الأبواب أمام شبكات استغلال الطفولة، في ظل ضعف الخدمات الأساسية في المناطق المهمشة. منذ عام 2003، بدأت ملامح أزمة التعليم في البلاد بالظهور، حيث تدهورت الأوضاع الأمنية والاقتصادية بشكل غير مسبوق، مما أثر على جميع جوانب الحياة، وكان التعليم أحد أبرز المتأثرين. وبحسب التربوي حيدر كاظم، فإن العراق شهد زيادة ضخمة في عدد الأطفال الذين أصبحوا خارج مقاعد الدراسة، حيث بلغ العدد ما بين 2 إلى 3 ملايين طفل عراقي في سن الدراسة. هذا الواقع المرير دفع الحكومة العراقية إلى التفكير في كيفية تطوير نظام التعليم الإلزامي، وتحسين جودة التعليم، رغم التحديات الكبيرة التي كانت تواجهها البلاد. لكن رغم محاولات التحسين هذه، ما يزال التعليم في العراق يعاني من مشاكل عديدة، يصفها كاظم بأنها نتاج لتطبيق غير فعّال للقوانين. وأحد أبرز هذه القوانين هو قانون التعليم الإلزامي رقم 118، الذي أقر في عام 1978، والذي ينص على إلزامية ومجانية التعليم في المرحلة الابتدائية، ويُعتبر حقا دستوريا لجميع العراقيين.
يبين لـ "المدى": "على الرغم من أن القانون لا يزال ساريا حتى اليوم، فإنه يواجه تحديات كبيرة في تطبيقه، حيث يُحتمل أن يتعرض ولي أمر الطفل المخالف لغرامة مالية أو عقوبات أخرى، لكن هذه العقوبات تبقى دون تأثير يذكر". وكما يوضح كاظم، فإن أكبر العقبات أمام تطبيق التعليم الإلزامي في العراق هو التسرب المدرسي، الذي يُعد من أكبر التحديات التي تهدد نجاح النظام التعليمي في البلاد. فالأطفال في المناطق الريفية والشعبية هم الأكثر عرضة للتسرب، حيث تفتقر مدارسهم إلى العديد من المقومات الأساسية مثل المباني الصالحة، وسائل التعليم الحديثة، والكوادر التعليمية الكفؤة. ما يزيد من تعقيد الوضع هو العامل الاقتصادي، حيث أن الظروف الاقتصادية الصعبة تمنع العديد من العائلات من إرسال أبنائها إلى المدارس، مما يضطر الأطفال إلى العمل في سن مبكرة بدلاً من التعلم.
الإحصائيات التي وردت في تقرير الجهاز المركزي للإحصاء لعام 2019 أكدت أن عام 2017-2018 سجل أعلى نسبة تسرب من المرحلة الابتدائية، حيث بلغ عدد المتسربين نحو 131,368 تلميذ دون سن 15، منهم نحو 47% من الإناث. وتُعتبر هذه الأرقام مؤشرا خطيرا على تراجع التعليم في العراق وعلى تأثير العوامل الاجتماعية والاقتصادية على فرص الأطفال في الحصول على تعليم جيد.
في محاولة لإيجاد حلول لهذه الأزمة، أطلقت الحكومة العراقية حملة "العودة إلى التعليم" في عام 2024 بالتعاون مع منظمة اليونسيف، حيث استهدفت الحملة جميع مديريات العراق، من خلال فرق جوالة استهدفت الفئات العمرية من 6 إلى 35 عاما. استمرت الحملة لمدة 50 يوما، وأسفرت عن عودة نحو 90 ألف طالب إلى مقاعد الدراسة. ورغم أنها خطوة إيجابية، إلا أن هذه الحملة تبقى مجرد جزء من الحلول المؤقتة، ولا يمكنها أن تعالج جذور المشكلة إلا بتطوير البنية التحتية والتعليمية بشكل جذري. وفي سياق هذا الواقع، يعبر الباحث الاقتصادي عبد السلام حسن لـ "المدى"، عن رأيه بأن قانون التعليم الإلزامي في العراق رغم أنه من أفضل التشريعات التي أُقرت في البلاد، إلا أن تطبيقه يواجه صعوبات جمة في ظل الظروف الحالية. ويؤكد حسن أن التعليم الإلزامي في العراق هو فكرة صعبة التطبيق في بلد يعاني من غياب الأسس الحقيقية للتنفيذ. يستعرض حسن بعض العوامل التي تعيق هذا التطبيق، مثل الوضع الاقتصادي المتدهور، نقص المدارس المناسبة، وأجور المعلمين غير المجزية، فضلا عن غياب التحفيز الكافي لدى الدولة لتخصيص الموارد اللازمة للنهوض بالتعليم.
كما يوجه حسن انتقادات إلى القطاع التعليمي الخاص، الذي أصبح في بعض الأحيان مهنة تجارية بيد من يملكون المال فقط، مما يؤدي إلى وجود مدارس خاصة تفتقر إلى المؤهلات اللازمة للقيام بدور تعليمي حقيقي، ما يزيد من تعميق الأزمة.
يخلص حسن إلى أن التعليم الإلزامي في العراق بحاجة إلى إصلاحات جذرية لا تقتصر فقط على تطوير القوانين، بل على إعادة بناء النظام التعليمي بشكل شامل، بدءًا من تحسين البنية التحتية، مرورًا بتوفير معلمين أكفاء، وانتهاءً بتوفير فرص متساوية لجميع الأطفال بعيدًا عن العوائق الاجتماعية والاقتصادية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

مقالات ذات صلة

لأول مرة بعد الانتخابات…
سياسية

لأول مرة بعد الانتخابات… "الإطار" يتسلّم "قائمة مرشّقة" لمرشحي رئاسة الحكومة

بغداد/ تميم الحسن للمرة الأولى منذ قرابة شهر، يتلقى "الإطار التنسيقي" قائمة شبه نهائية بأسماء المرشحين لمنصب رئيس الحكومة المقبلة. ورغم هذا التطور، لا تزال الافتراضات بشأن موعد حسم مرشح رئاسة الوزراء غامضة، مع...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram