غالب حسن الشابندر
الجواب التقليدي على مثل هذا السؤال، وكثيرا ما يُطرح هذه الايام بسبب تقادم العمر للمرجع الكبير علي السيستاني من جهة، ومن جهة ثانية خلو النجف ــ تقريبا ـ من مثل هذه النماذج الكبيرة، ومن جهة ثالثة الدور الكبير الذي أدّاه من أجل العراق والعراقيين، خاصة مواجهة خطر داعش الارهابي...
هذه الاسباب وغيرها تكمن وراء هذا السؤال...
أيّ نجف بعد السيد علي السيستاني، حيث الجواب التقليدي، أن النجف في حفظ الله ورعاية صاحب الزمان حسب معتقد الامامية الاثنى عشرية، وما شابه من طروحات ذات نغمة بل ذات مضمون غيبي صرف.
جواب أهل العلم بالذات ليس هو جواب (عامّة الناس)، وهناك تخوف لا يصرّح به أهل العلم في النجف عمّا ينتظر هذه المدينة، وفي مقدمة ما يستشرفوه إن النجف سوف تشهد كثرة الرسائل العملية، وذلك لخلو الساحة كما قبنا من أمثال الآباء الاولين، حيث كانت لهم هيبة الحضور، ليس بسبب تقدم السن، أو معالم الوقار، أو أي سبب آخر، بل لأنهم اساطين علمية رصينة، توارثوا هذه العلوم بعد جهد جهيد، ودربة شاقة، وتدرج في التحصيل، ولأن توغلهم في ضمير الأمة متأصل، وعميق.
بعيداً عن كل مقترب ديني وغيبي إن كثرة الرسائل العملية، التي سوف تشهدها ساحة العلم في النجف الاشرف ليس دليل قوة بالضرورة، بل قد تكون مدعاة حركة تنافسية قد تغيب أثناءها معايير العلم الموضوعية، بل قد تكون مدعاة حيرة الناس، وربما ستكون عاملا حاسما في تمزيق النسيج الاجتماعي الشيعي، أو بالاحرى سوف تزيد من تشقيق هذا الاجتماع المُبتلى.
ليس من حقي ولا من حق أي إنسان أن يعترض على هذه الحالة، ولكن هذا شيء وكون هذه الظاهرة المُنتظَرة سوف يكون لها أثرها المادي الواقعي في تشتيت شيعة العراق، بل ربما حتى شيعة العالم.
ليس لي كلام مع المحاجين من منطلق ديني غيبي، إنّما انطلق من تقدير موضوعي واقعي، سواء اتفق ذلك مع الاتجاه الديني القدري في معالجة القضية أو أختلف.
حدّثني طالب علم حوزوي متقدم، صاحب حضور علمي مشهود له، من أن هناك أكثر من رسالة عملية سوف تشهدها الساحة النجفية، فيما لم تشهد الساحة ربع هذا العدد في ظل اساطين الفقهاء الكبار، وإلّا كم رسالة عملية كانت في زمن السيد محسن الحكيم رحمه الله، بل كان كبار من العلماء المجتهدين من الطراز الرفيع يمنعه دينه وتقواه من طرح رسالته العملية متعلّلا بأن ذلك يخالف المروءة الدينية حيث هناك المرجع الاعلى الذي ثُنيَت له الوسادة كما يقولون!
اللطيف حقا، هناك من لم يدرس على يد علماء كبار، ولم يقر لهم عالم كبير بالاجتهاد، غاية ما يعرفه الاجتماع النجفي العلمي عنه، بل حتى الشبعبي مجرّد خطيب حسيني، يتمتع بكفاءة إلقائيه وصوت شجي!
وكم له من نظير قد نلتقي به فيما بعد!
اجزم إن القيمة الاعتبارية للرسالة العملية كل ما كانت عزيزة الحضور كانت ذات قيمة موضوعية لدى الناس، وكما هو المعروف أن الكثرة ليست ممدوحة دائما، وكثرة العرق تقلل من الطلب حتى في مثل هذه الحالات، ولنا أن نتأمل أكثر في ذلك إذا علمنا أن أصحاب هذه الرسائل من الخط الثاني حتى إذا غاب الخط الاول، فإن الفوز بعنوان الخط الاول بالنسبة لهؤلاء (الجُدد) ليس سهلا مادام الماضي هو صاحب السيادة.
أحدس إن هذه الكثرة في الرسائل العملية التي تنتظرها الساحة النجفية / الشيعية سوف تحدث بلبلة في الدعاية والاعلام، وسوف تكون مدعاة تجاذبات غير محمودة، ولا استبعد دخول عناصر أجنبية لترسيخ هذا التخلخل، وما يدرينا لعل بعض هؤلاء صناعة خارجية بصرف النظر عن التفاصيل.
المال (المقدس) سوف يكون له دوره في الدعاية والاعلام لهذا (المرجع أو ذاك)، وغلاف الرسالة العملية سوف يحافظ على رسمه التهويلي، بل ربما سنلتقي بعناوين جديدة، ومع كل مفردة من مفردات هذا الواقع الخطير تتصاعد احتمالات الاحتراب الداخلي الشيعي بصورة وأخرى.
الخط الثاني...
ألا من قراءة جادة لما ينتظر النجف بعد رحيل السيستاني أطال الله عمره؟