علاء المفرجي
تتقدم آلاف المواهب الجديدة يوميا الى هوليوود، التي تحلم بارتقاء المجد السينمائي، لكنها لا تختار إلا نجوما يهيمنون على الساحة، كتبوا قصة مسيرتهم عبر تحقيق نجاح وراء نجاح. فقد يستطيع مخرجو هوليوود صناعة نجم واحد في الشهر ليغدو في أسابيع قليلة حديث الرأي العالمي داخل مختلف وسائط الإعلام الغربي.
وإذا كانت السينما هي التي تصنع نجومها سابقا، وفق ما تقرر أو تريد، لكن مع بروز مواهب حقيقية، صارت تنتظرها من أجل السبق في تقديمها. وكان أول من يتحسس موهبة نجم ما، هو مخرج ذو شأن، فما بالك اذا كانوا مخرجون من طراز جورج لوكاس، سكور سيزي، وفرنسيس كوبولا، وجبم جارموش، وسبيلبرغ، هم الذين يلتقطون مثل هذه الموهبة.
ففي فيلم "ميغالوبولس" الأخير لفرنسيس كوبولا أستعان المخرج بممثل لم يبدأ مسيرته السينمائية سوى عام 2010، وهو الممثل الأميركي المنطلق بسرعة الى البروز والشهرة "آدم درايفر"، هذا الممثل الذي استطاع برفعة إدائه والكاريزما التي يتوافر عليها، فضلا عن الأدوار المختلفة التي تصدى لها ببراعة المقتدر، خلال مسيرته الفنية القصيرة نسبيا، أن يقنع كبار المخرجين الأمريكان، والذي يعرف عنهم اختيار الممثل الموهوب، أن يضموه الى قائمة الممثلين الذين يستعينون بهم، بل تجرأ هؤلاء الى منحه البطولة المطلقة في أهم أفلامهم.
فدرايفر الذي دخل السينما، -مثل مواهب كثيرة-، من بوابة مسرح برودواي في نيويورك، حيث ظهر لأول مرة في برودواي في "مهنة السيدة وارين" 2010 ثم عمل بعد ذلك في "رجل وصبي" 2011 و"حرق هذا" 2019 ، وفاز بكأس فولبي لأفضل ممثل عن دوره الرئيسي في فيلم قلوب جائعة وحصل على ترشيحات متتالية لجوائز الأوسكار لأفضل ممثل مساعد عن لعب دور ضابط شرطة يتسلل إلى كوكلوكس كلان في فيلم بلاك كلانزمان وأفضل ممثل عن دوره كمخرج مسرحي يمر بالطلاق في فيلم قصة زواج. كاهن يسوعي في فيلم "صمت". وأفلام أخرى. (لينكولن).
انتزع درايفر الاعتراف العالمي أوائل عام 2014، عندما استدعاه جورج لوكاس لدور الشرير كايلو رين في فيلم: حرب النجوم: القوة تنهض"، والذي اعاده في "الجيداي الأخير" فكتب أحد النقاد الامريكان: "إن جوهر "الجيداي الأخير" من هذه الثلاثية برمتها، هو شخصية الشرير كايلو رين التي أداها درايفر والذي يُعد أكثر وحش بشري روعة في السينما".
ومن الأدوار المهمة لدرايفر فيلم "باترسون"، حيث يقتفي جيم جارموش في خطى الشاعر وليام كارلوس ويليامز في قصيدة الملحمية "باترسون"، وباترسون هو اسم المدينة وأيضا أسم شخصية، ويجسده آدم درايفر، وهو الشاعر الذي يعمل سائقاً للباص في المدينة وعاش حياة مسترخية مع زوجته الشابة، ويكتب الكثير من القصائد والتي تُعجب بها زوجته، وهي مؤمنة إنه سيكون شاعراً كبيراً.
الشخصية هنا لاعلاقة لها بالشاعر أو سيرته، وحتى القصائد التي يقيها خلال مشاهد الفيلم فهي منسوبة لشعراء آخرين وليس لويليامز.. فالفيلم هنا هو المعادل البصري لقصيدة ويليامز في تفاصيلها الحياتية والجمالية، حيث القصيدة الملحمية تستلها جماليات المكان وهو هنا مدينة باترسون. وقد أدى درايفر الدور بشكل مذهل.
و في "ميجالوبوليس" لكوبولا والذي أدى فيه درايفر بطولته المطلقة، حكاية ملحمية رومانية تدور أحداثها في أمريكا الحديثة المتخيلة. يلعب درايفر دور سيزار، وهو فنان عبقري يريد بناء مدينة روما الجديدة وتحويلها إلى مدينة فاضلة، وكل ذلك ضد إرادة عمدة المدينة (جيانكارلو إسبوزيتو) الذي يفضل الوضع الراهن. ممزقة بينهما جوليا شيشرون (ناتالي إيمانويل)، ابنة العمدة، التي أدى حبها لسيزار إلى تقسيم ولاءاتها، مما أجبرها على اكتشاف ما تعتقد حقًا أن الإنسانية تستحقه.
نشير الى أن كل الأحاديث التي كان يجريها كوبولا مع الصحافة، كانت لا تخلو من إشادته بإداء درايفر. فقد قال كوبولا في حوار معه عن الفيلم: لقد أحببت ذلك في الفيلم عندما كان آدم درايفر على السجادة الحمراء، وكان يسخر من الصحافة بشأن الأسئلة التي طرحوها حول مشروعه، وقال لهم، مقلدًا أسئلتهم، "ما نوع مطعم البيتزا الذي سيكون عليه؟".