TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قمة بغداد 2025 وإشكالية تفعيل النظام العربي المشترك: بين رمزية الانعقاد وحدود التأثير

قمة بغداد 2025 وإشكالية تفعيل النظام العربي المشترك: بين رمزية الانعقاد وحدود التأثير

نشر في: 19 مايو, 2025: 12:02 ص

محمد علي الحيدري

تمثل قمة بغداد الرابعة والثلاثون التي انعقدت في 16 أيار/مايو 2025 محطة مهمة في مسار العمل العربي المشترك، ليس فقط من حيث انعقادها في عاصمة عربية أنهكتها الحروب والاحتلال والتدخلات لعقود، بل أيضًا لما رافقها من رهانات رمزية على قدرة النظام الإقليمي العربي على استعادة شيء من فاعليته في ظل مرحلة تحولات دولية وإقليمية بالغة الحساسية. ورغم أن البيان الختامي حمل تأكيدًا على القضايا المحورية المعتادة، وفي مقدمتها دعم القضية الفلسطينية، فإنه لم يخرج كثيرًا عن النسق البلاغي المعهود، مما يطرح مجددًا إشكالية التفاوت بين الطموح المعلن والإرادة المؤسسية اللازمة لتحقيقه.
من منظور تحليلي، يمكن اعتبار القمة استمرارًا لمحاولات ترميم النظام العربي بعد سلسلة من التصدعات البنيوية التي تعمقت منذ 2011، وتجلت في الانقسامات حيال الأزمات الإقليمية الكبرى، مثل سوريا واليمن وليبيا، فضلًا عن تباين السياسات الخارجية بين الدول العربية تجاه القوى الدولية والإقليمية. وقد بدت قمة بغداد، في سياقها الظرفي، محاولة لإعادة إنتاج خطاب الإجماع، ولو على المستوى الأدنى، انطلاقًا من إدراك متزايد لدى بعض العواصم بأن استمرار التفتت العربي يضر بالمصالح القُطرية نفسها، فضلًا عن المصالح الجماعية.
غير أن المعضلة الأساسية التي تواجه القمم العربية، ومنها قمة بغداد، لا تكمن في غياب الخطاب أو المواقف المبدئية، بل في غياب آليات التفعيل المؤسسي للقرارات، وفي تحوّل الجامعة العربية إلى منصة تجميع بيانات أكثر من كونها إطارًا منتجًا للسياسات. فالدعوات إلى التهدئة والحلول السياسية، رغم وجاهتها، لا تحجب واقع الانكفاء المتكرر للدور العربي أمام مبادرات دولية وإقليمية فاعلة. ولا تزال الأزمات الكبرى، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، تُدار خارج الفضاء العربي، رغم ما تمثله من قضية مركزية في الخطاب السياسي الجمعي.
أما العراق، مستضيف القمة، فقد سعى من خلال هذه الاستضافة إلى استعادة دوره العربي والإقليمي، وتقديم نفسه كوسيط بين الأضداد ومركز توازن بين المحاور. وهي استراتيجية تحمل بُعدًا تصالحيًا جديرًا بالاهتمام، لكنها تظل مشروطة بقدرة بغداد على استعادة القرار السيادي الداخلي وتجاوز الانقسامات السياسية والمجتمعية. فالقوة الناعمة العراقية لن تكتمل إلا باستكمال بناء الدولة وتعزيز استقلال القرار، ما يجعل من استضافة القمة مقدمة محتملة لدور أكبر، لا نتيجة تلقائية له.
من جهة أخرى، فإن الإشارة إلى مشروع "طريق التنمية" ضمن فعاليات القمة تفتح بابًا جديدًا للحديث عن البعد الاقتصادي في العمل العربي، الذي ظل لعقود رهين غياب الإرادة التكاملية. فهذا المشروع، بما يحمله من إمكانات لربط الخليج بالبحر المتوسط عبر العراق، يمكن أن يشكل نموذجًا واقعيًا لتعاون عربي يستند إلى المصالح لا الخطابات، شرط توفر الإرادة السياسية والاستقرار الأمني والبنية المؤسسية اللازمة لضمان تنفيذه.
في المحصلة، تؤكد قمة بغداد 2025 الحاجة الماسّة إلى مراجعة شاملة لوظيفة القمم العربية وأدواتها، بما يتجاوز الرمز إلى التأثير، ويفتح الباب أمام تطوير ميثاق الجامعة العربية وآلياتها التنفيذية. فالتحديات التي تواجه العالم العربي – من تصاعد النزاعات إلى هشاشة الأمن الغذائي وتغيرات النظام الدولي – تفرض الانتقال من إدارة الخلافات إلى بناء توافقات استراتيجية، ومن التمسك بالمبادئ إلى تفعيل السياسات. وهي مهمة تتطلب إرادة سياسية جماعية لا تزال، حتى اليوم، دون مستوى الطموح أو الحاجة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ألمانيا تحث إيران: باب التفاوض لا يزال مفتوحاً

التربية: الأسبوع المقبل إعلان نتائج الثالث متوسط

روسيا عن مساعدة أمريكية لإسرائيل: تهدد استقرار الشرق الأوسط

أردوغان: نتنياهو تجاوز منذ زمن طويل الظالم هتلر

إيران تنتقد مجلس الأمن وتتوعد بالرد على كل من يضربها

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: آخر محطات الصغير والمدرس

كلاكيت: السينما تاريخ من الموجات والتيارات

كييف تراهن على التخريب وضرب المنشآت الاستراتيجية الروسية

السلطة الرابعة تفتقد مسؤولياتها التاريخية لقول الحقيقة

قناطر: الحرب التي تعنينا ولا تعنينا

العمود الثامن: البرلمان حين ينام !!

 علي حسين أغلق البرلمان أبوابه وغاب نوابه في وقت تمر فيه المنطقة بأحداث مصيرية، فقد اخبرتنا الانباء الواردة من قبة مجلس النواب العراقي عن غياب ما يقارب المئتين نائب عن جلسة كان يفترض...
علي حسين

قناطر: اللعبة السريّة للأصداء

طالب عبد العزيز يقولُ الابنُ لأبيه الشيخ: أينَ أضعُ الزهورَ يا أبتِ؟ فيقول الأب: في مكانها القديم يابني! في مكانها القديم... كلُّ الأمكنة قديمةٌ يا أبتِ. - إذن، ضعها في مكانها الجديد! - ليس...
طالب عبد العزيز

مأسسة الاختلالات.. مرحلة أم دوامة؟

ثامر الهيمص تأتي الاختلالات في التطبيق العملي اداريا، عندما يتم اللجوء لحلول مؤقتة، في ظل ظروف استثائية وبغياب القاعدة القانونية التي تغطيها غالبا’ او في حالات الكوارث والحروب، لتغطية الطارئ وغير المتوقع. وهذه الحالة...
ثامر الهيمص

الاستفادة من التاريخ

غالب حسن الشابندر قليل من الكتّاب والعلماء والمفكرين من يلجأ الى التاريخ للاستفادة منه في تاسيس فكر أو دعم فكر أو نقض فكر ، كان ذلك قديما ، أمّا وقد تطورت مناهج البحث عن...
غالب حسن الشابندر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram