فخري كريم
مثلما تنشط العناصر والمجاميع المبادرة لتنظيم الحركات والمظاهرات الاحتجاجية لتوصيف طابع نشاطها، باعتباره محاولة فعل جماهيري لإجراء نقلة نوعية في إطار النظام الديمقراطي ،
لانتشاله من كل مظاهر التخلف والفساد والإمعان في حرمان المواطنين، ومصادرة إرادتهم فإن القوى المضادة للديمقراطية من داخل النظام ومن خارجه ،تعمل في الظلام وبأساليبها
التضليلية التآمرية لاحتواء هذه التحركات ووضعها في مواجهة النظام الديمقراطي نفسه . وهي في هذا المسعى تستفيد من مناخ الغضب والرفض الشعبي لكل ما علق بالتجربة الديمقراطية من خرائب الدكتاتورية الساقطة، التي كانت في أساس إعادة بناء" الدولة الديمقراطية "الجديدة،وما أضيف إليها من مفاسد وضلالات النخب الحاكمة التي توالت على إدارة البلاد .
إن التوقف عند ما يمكن أن تدبره فلول النظام السابق والانقلابيون الجدد الذين يتساوقون معها، من داخل العملية السياسية ،ومن" أطرافها الهشة"، "ومرافقها المخترقة"،لا يقصد منه سوى اليقظة إزاءها والانتباه لتحركاتها، والحذر من أي تأثير لها على" تظاهرة الجمعة" أو أي تحرك احتجاجي في المستقبل .
والانتباهة هذه ينبغي أن توجه إلى كل ما يؤدي إلى خلط الأوراق، سواء في الشعارات والهتافات أو المنخرطين المشبوهين أو المحرضين في الخفاء على استخدام العنف والتخريب ضد مرافق الدولة أو غيرها .
وليس صعبا إجراء فرز لهذه القوى، وفضح مراميها ودوافعها وأهدافها ،.فهي تسعى بوضوح لتوظيف تصعيد الاحتجاج على المظاهر السلبية والمطالبة بتجاوزها، عبر حلول جذرية وعاجلة ،إلى مطالبات برفض النظام القائم وإسقاطه ،"لأنه المسبب في ما يعانيه المواطنون من حرمانات وتعديات " كما يروجون., وهي تسعى لاستبدال المطالبة" بتنحية"الفاسدين أفرادا كانوا أم مجالس محافظات أو مسؤولين في أي مستوى حكومي، بالدعوة إلى إسقاط النظام ولو بتدرج مدروس، يستفيد من تواصل الاحتجاجات والتظاهرات ،دون أن تستجيب السلطات ولو للمطالب الناضجة والممكنة التحقيق .
وقد تتجاوز هذه المساعي، من قبل فلول الردة البعثية الصدامية، التطور العفوي لتصاعد الاحتجاج،إصرارا على المطالبات ،في مواجهة التعنت بعدم الاستجابة لها أو" تسويفها " بالانتقال إلى أعمال استفزازية ،من داخل التظاهرات ،ومن خارجها لإثارة الفوضى والانجرار إلى الصدام مع القوات الحكومية العسكرية والأمنية ،أو حتى بين المتظاهرين وليس مستبعدا مراهنة القوى المضادة ،والمتآمرة ،على قيام القاعدة بعمل إرهابي يوفر لها سبيل الفتنة ،ويدفع إلى تفجير الغضب والاحتقان مما يمكنها من استثمار ذلك وتوظيفه لإجراء استقطاب حاد بين السلطة والمحتجين.
إن السلوك الملتزم للمتظاهرين ،الذين عبروا عن أنفسهم ،(باستثناءات ثانوية) ويسعى لتحريف مضمونها ووجهتها، كما بانت المساعي الأخرى، من الشركاء في الحكومة والعملية السياسة ،ممن يريدون احتواء" تظاهرة الجمعة ",وأي نشاط احتجاجي مقبل وتوظيفها لمصالحهم السلطوية ،وهو يستلزم فضح دوافع هؤلاء ،لان تعاطفهم وانحيازهم مجرد "نفاق" مكشوف ،لا يصمد أمام حقيقة كونهم شركاء نافذين وصانعين بامتياز لما حل ويحل بالبلاد من فساد وتخلف وضياع للأموال وفرص البناء. وليس خافيا على احد، أين انفرد كل طرف من هؤلاء في حكم المحافظات والوزارات ،وأي أعمال منكرة قاموا بها، ويتواطئون بشأنها حتى الآن، وعلى "ضحاياهم"من المتظاهرين تذكر ذلك، وأشعارهم بأنهم، جميعا شركاء في مجالس المحافظات وأعضاء في مجلس النواب وفي الحكومة .
إنهم جميعا ،سوى أفرادا منهم ،بما يمثلونه من مكونات "متضامنون، ولو ضمنيا ،متواطئون على الفساد ،وما يسببه من حرمان للملايين من العراقيين ،مشاركون في اقتسام الغنائم والامتيازات ،"مناضلون " بلا حدود للزحف على مواقع الآخرين لزيادة حصصهم من كل ذلك .
وهم في أغلبيتهم ،يعلنون التمسك بأذيال الفضيلة والتقوى والورع، لكنهم يشتدون على "رعاياهم " باسم ذلك كله ،والكثرة منهم لبس لبوسها ،وهجر مدلولاتها النبيلة السامية، لا فرق في ذلك بين طائفة وأخرى، ومكون ونقيضه ،فالكل سواسية أمام فضائل السلطة وبريق المال والجاه والخيلاء.
إذن من هم المتربصون بحركات الاجتماع والمتظاهرون..؟
....إنهم الإرهابيون والقتلة من القاعدة وأشباههم المسلحين
...وهم فلول البعث الصدامي وبقايا نظامهم ،المتوهمين بإمكان عودة سلطتهم..
...ومنهم ،دون دراية أو غفلة ،أو بقصد موضوعي ،التواقون المغامرون "للاستيلاء على السلطة "والانفراد بها ،والانقلاب على النظام الديمقراطي
... وفيهم دعاة الطائفية المتسلطة ،المهمومون بضياع سلطتهم .
وهؤلاء جميعا ،ينشطون في الأوكار السرية ،داخل البلاد وخارجه ،ويتقافزون في مواقع السلطة ،محصنين بوجاهتها وحمايتها ،وبما يمثلون أو يدعون من تمثيل طائفي وسياسي .
وكل هؤلاء يريدون إسقاط النظام الديمقراطي.
ومن هو " الشعب الغاضب"المحتج "؟
...إنهم المؤمنون بالديمقراطية وقيمها وآلياتها ، وبتداول السلطة في إطارها وبحق الجميع بالحرية والمساواة والتمتع بحق العمل والعيش الكريم
...وهم المناضلون في سبيل تعزيز النظام الديمقراطي وتكريسه وتوطيد بنيانه ،والمخلصون للنظام الجمهوري المبني على أساس دستور ضامن لدولة مدنية ديمقراطية ، حرة اتحادية ،دولة القانون والحريات والمواطنة الحرة .
إنهم المكتوون بنيران الاستبداد والدكتاتورية ،ضحايا أنظمتها المتعاقبة ،والموجوعون بالتعديات على حرياتهم وحرماتهم وحقوقهم ،والمسحوبة منهم ابسط الخدمات المعيشية الحياتية التي تليق بقامة الإنسان السوي .
ماذا يريد الشعب هذا ..؟
- انه يريد الحياة الكريمة ،ومتطلباتها الأولية :
- شرف العمل، كمصدر للرزق الحلال
- ماء الشرب ،الكهرباء ،السكن الآدمي ،الخدمات
- حماية حرياته وحقوقه ، المساواة في الحصول على العمل وأمام القانون
- تطهير الدولة من الفاسدين ،نهابي المال العام ،والمتلاعبين بثروات البلاد .
- تأمين الأمن والاستقرار
- سلم رواتب عادل بلا فوارق وامتيازات "حرام"
- ترشيق الدولة ،بتجريدها من الدرجات الخاصة "المختلقة"والنصب على الدولة باستحداث وظائف حسب المحسوبيات والمحاصصة ،وبلا توصيف وشروط وظيفية .
- تطهير الدولة ومؤسساتها من مظاهر التحزب والتوقف عن تحويلها إلى مقرات حزبية ،ومجالس لممارسة الطقوس الدينية والمذهبية
- سن قانون ديمقراطي للأحزاب
- تأمين ضمان اجتماعي يشمل جميع العراقيين وفق ضوابط وشروط معمول بها دوليا ،واقتطاع نسبة من موارد النفط لإنشاء صندوق لهذا الغرض.
- إنشاء صندوق تقاعد يشمل العراقيين العاملين في الدولة وفي القطاع الخاص.
- فصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ،فصلا تاما والتأسيس الواضح لتحقيق هذا الفصل .
- إعادة النظر بقانون الأحوال الشخصية ،بما يضمن إنسانية المرأة ،ومساواتها التامة مع الرجل
- حماية الطفولة .
- تشريع قانون يكفل حرية الصحافة والإعلام ،وتدفق المعلومات والوصول إليها ،وحماية الصحافة والصحفيين
- إعادة بناء الجيش والشرطة والقوات المسلحة على أسس وطنية وتكريسها لخدمة الشعب والوطن .
- تعديل قانون الانتخابات واعتماد النسبية والقائمة المفتوحة .
- تنحية المسؤولين الفاسدين وعديمي الكفاءة من الوزارات ومجالس المحافظات ،البلديات واتخاذ تدابير فورية لإقصاء رؤسائها، وفي مقدمتهم رئيس مجلس محافظة بغداد ومحافظه .
وماذا تريد الحكومة: راحة البال .