TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > كلاكيت: كان يحتفي بسعيد أفندي

كلاكيت: كان يحتفي بسعيد أفندي

نشر في: 22 مايو, 2025: 12:07 ص

 علاء المفرجي

اختارت لجنة الحسن بن الهيثم للذاكرة العراقية المرئية، بدعم من السفارة الفرنسية في العراق ووزارة الخارجية الفرنسية، وتنفيذ Expertise France بمشروع "سينماتك العراق"، الفيلم العراقي "سعيد أفندي" (1956) لكاميران حسني (1 يوليو/تموز 1927)، القادم من الولايات المتحدة الأميركية بعد نيله شهادة ماجستير في الإخراج السينمائي، والذي يُعدّ رائد السينما الواقعية.
ميزةٌ له أنّه مُصرّ على المساهمة في صنع سينما عراقية، لها حضور متميز، فأصدر مجلة "السينما" عام 1955، أول مطبوعة سينمائية عراقية. مُدرّس في "معهد الفنون الجميلة"، وباكورة أعماله مخرجاً "سعيد أفندي"، الذي كان له نجاح باهر بمعايير خمسينيات القرن الـ20. عُرض أولاً عام 1957 في "سينما الخيام" بكركوك، ثم في "معهد العالم العربي" بباريس، في تكريم يوسف العاني عام 1998، المتمثّل بعرض أفلامٍ عدّة له. "سعيد أفندي" أول فيلم عراقي يشارك في احتفال دولي، في "مهرجان موسكو"، عام 1958.
لم يستطع حسني إكمال مشواره الواعد، إذ أحبطت ظروفٌ طموحاته، فأصابته الخيبة، وانسحب من الفن اٍلى التجارة، مؤسِّساً مطعماً في بغداد. ثم ما لبث أنّ هاجر مجدّداً، ليموت مُغترباً (أيلول 2004).
فيلمه هذا رُمِّم بتقنية K4 في "المعهد الوطني للسمعي البصري الفرنسي (INA)"، باستخدام النيغاتيف الأصلي، وحُفظت النسخة المرمّمة لدى لجنة الحسن بن الهيثم نفسها. وللمرة الأولى في تاريخ السينما العراقية، اختير "سعيد أفندي" ليُعرض في "كلاسيكيات كانّ"، في الدورة الـ78 (13 ـ 24 أيار 2025) لمهرجان "كانّ".
"سعيد أفندي" مقتبس عن قصة "شِجَار" (1955) للكاتب إدمون صبري (1921 ـ 1975)، ويُعدّ من أبرز الأعمال الكلاسيكية العراقية. تمثّل هذه الخطوة غير المسبوقة إحياءً للتراث العراقي السينمائي، ونقله إلى العالم من أوسع أبوابه. إنّه أحد أبرز الأعمال السينمائية العراقية، ويعكس صورة حيّة للمجتمع البغدادي في خمسينيات القرن الماضي. يتميّز بأسلوب واقعي يبتعد عن الديكورات المصطنعة، إذْ صُوّر في أزقة منطقة "الحيدرخانة"، وبيوتها القديمة، ما أضفى عليه طابعاً أصيلاً يعكس بساطة الحياة اليومية: المعلّم سعيد أفندي (يوسف العاني) يواجه صعوبة في العثور على مسكن مناسب لعائلته، فينتقل إلى حي شعبي، يلتقي فيه جاراً جديداً، الإسكافي عبد الله (جعفر السعدي). تنشأ بين العائلتَين علاقات متوتّرة بسبب مشاجرات الأطفال، ما يؤدّي إلى سلسلة أحداث تكشف عن التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجهها الطبقات المتوسّطة في تلك الحقبة.
اعتمد حسني أسلوب الواقعية الإيطالية الجديدة، مستخدماً معدات بسيطة في التصوير بمواقع حقيقية، وهذا أضفى طابعاً طبيعياً بعيداً عن التصنع. هذا النهج الفني ساعد في نقل الواقع الاجتماعي للمجتمع العراقي في تلك الفترة، جاعلاً الفيلم وثيقة سينمائية قيّمة لعادات بغداد القديمة وتقاليدها. فسبب اختيار الواقعية، والتصوير في أماكن طبيعية، كامنٌ في عدم توفر استديوهات وآلات حديثة وديكورات وأدوات فنية، لكنّ "سعيد أفندي" تعرّض لمشاكل رقابية قبل عرضه للجمهور للمرّة الأولى في السادس من تشرين الثاني 1957، في سينما "ميامي" في بغداد.
رغم بساطة القصة، نجح الفيلم في تسليط الضوء على قضايا اجتماعية مهمّة، كالطبقات الاجتماعية والتعليم والعلاقات بين الجيران. أثار اهتمام النقاد والجمهور، واعتبره البعض بداية تأسيس سينما عراقية تعكس الواقع الاجتماعي بصدق وواقعية، كما يُعدّ علامة فارقة في تاريخ السينما العراقية، بجمعه بين الأسلوب الفني الواقعي والموضوعات الاجتماعية المهمة. ورغم مرور أكثر من ستة عقود على إنتاجه، لا يزال يحتفظ بقيمتيه الفنية والتاريخية، ما يجعله مرجعاً مهمّاً لفهم تطوّر السينما العراقية، وتوثيق الحياة اليومية في بغداد الخمسينيات.
حين عُرض، اعتُبر "سعيد أفندي"، الذي أبدعت فيه الفنانة زينب حسني، إلى جانب العاني وكاتب السيناريو كاميران حسني نفسه، باكورة ناضجة تبشّر بخير سينمائي كثير، أعقبه حسني بـ"مشروع زواج" (1962)، ثم "غرفة رقم 7" (1966، مُنجز في لبنان)، فيلمه الأخير، قبل عودته إلى أميركا.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram