TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: الثقافة تبتسم

العمود الثامن: الثقافة تبتسم

نشر في: 22 مايو, 2025: 12:20 ص

 علي حسين

بعد ثلاثين عاما على رحيله في بلاد الغربة، قررت دار الشؤون الثقافية ان تعيد البسمة الى وجه شاعر الغربة بلند الحيدري، لتقدم لنا مجموعته الشعرية الكاملة، وفيها يحول الشاعر الكبير حروف كلماته وعذاب غربته إلى قصائد حب.
بلند كان مغرماً بما يكتب، يعتقد أن الفكر والشعر سيصنعان بلداً يكون ملكاً للجميع، ومجتمعاً آمناً لا تقيّد حركته خطب وشعارات ثورية، ولا يعبث باستقراره ساسة يتربصون به كلّ ليلة.. ديمقراطية، تنحاز للمواطن لا للطائفة، وتنحاز للبلاد لا للحزب والعشيرة. عاش أسير أحلامه، متنقلاً في الشعر والحب.
في السنوات الاخيرة وبجهود الشاعر عارف الساعدي تحاول الثقافة اعادة التوهج الى ذاكرة العراقيين، الاعمال الكاملة للجواهري مع مذكراته الثمينة.. اعمال نازك الملائكة ولميعة عباس عمارة وعبد الوهاب البياتي وحسب الشيخ جعفر وفوزي كريم، واحمد الصافي النجفي، وياسين طه حافظ، وجميل صدقي الزهاوي، الى جانب مؤلفات مدني صالح واعمال العلامة مهدي المخزومي وجعفر الخليلي وعشرات ممن حاولت الحكومات السابقة ان تطوي صفحاتهم في غبار النسيان.
على مدى سنوات ماضية عشنا مع سلطة ظلت تنظر اإلى الثقافة، باعتبارها كماليات زائدة لا يحتاجها المواطن العراقي في زمن القادة "العظام". أنت مواطن مثقف ما دمت تذهب إلى صناديق الاقتراع تنتخب جماعتك، وتمنحهم صوتك، وأنت مغمض العينين. ينظر الى المثقف باعتباره كائناً غريباً، لا يحق له أن يطالب بتوفير كتاب رخيص الثمن، ومشاهدة مسرحية راقية، ومتابعة ما تجود به الفرقة السيمفونية. فمهمة الدولة كانت تعبيد طرق الآخرة أمام الناس، ألم يصرخ أحد النواب في زمن "المفكر" إبراهيم الجعفري "ياجماعة حرام تخصصون أموال لوزارة تدعم الراقصات".. كانت هذه هي المسخرة التي عشنا فيها منذ أن قررت الدولة منح وزارة الثقافة لضابط شرطة، ومن بعده لقاتل، ثم تسلمها لسعدون الدليمي الذي حول اموال الثقافة إلى وزارة الدفاع تحت شعار "كل شيء في سبيل المعركة" وكانت معركته الحقيقية هي وضع حجر الأساس لدار أوبرا وهمية، وصرف مئات الملايين على نشاطات لا تمت للثقافة بصلة، واختصار فعاليات بغداد عاصمة الثقافة بحفل لمطربة درجة عاشرة اسمها "مادلين مطر" ، في الوقت الذي عرفضت فيه عن إعمار مسرح الرشيد الذي وقف على خشبته نجوم المسرح العراقي.
ننظر الى الحراك الثقافي هذه الايام والذي يلعب به عارف الساعدي دورا رئيسا برغم ما يتعرض له من هجمات من "الذباب الثقافي" الذي يكره المستقبل ويصر على العيش في احضان الماضي.. اليوم صناعة الكتاب في العراق تزدهر ، وسعيد افندي يحاور نجوم مهرجان كان السينمائي، والعلامة احمد سوسه يتنظر زواره في بيته الكبير، وفائق حسن يلون مجسره.. وبعد ان كانت مخصصات الثقافة تذهب لجيوب المسؤولين ، تحولت اليوم الى مسرحيات ومسلسلات وافلام شبابية وكتب تزين المعارض العربية. عافية ثقافية يقف وراءها شاعر مبتسم دائماً.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمود الثامن: آخر محطات الصغير والمدرس

تحالفات الأصدقاء-الأعداء في الانتخابات العراقية

العمود الثامن: لماذا نحن صامتون؟

قناطر: حكومات لا تسقطها الصحافة

عبقرية التكنولوجيا وسذاجة السياسة!

العمود الثامن: آخر محطات الصغير والمدرس

 علي حسين أفضل وأغنى رواية عن خراب الأمم، تركها لنا مواطن نمساوي اسمه ستيفان تسفايج، ففي لحظة فارقة من تاريخ البشرية يكتب هذا الرجل النحيل مذكراته عن عالم مضى. ما هو الشعور الذي...
علي حسين

كلاكيت: السينما تاريخ من الموجات والتيارات

 علاء المفرجي تيارات السينمائية تلعب دورًا حيويًا في فن السينما لأنها تعكس تطور الأفكار، الثقافة، والقضايا الاجتماعية والسياسية في فترات زمنية معينة، مما يجعل السينما أكثر من مجرد ترفيه، بل أداة فنية واجتماعية...
علاء المفرجي

كييف تراهن على التخريب وضرب المنشآت الاستراتيجية الروسية

د. فالح الحمـراني لم يتضمن جدول أعمال فلاديمير بوتين في الأسبوع الماضي، الاجتماع التقليدي الذي يعقده مع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الروسي. ويبدو من المقرر أن تعقد هذه الهيئة الحكومية، التي يُفترض أنها...
د. فالح الحمراني

السلطة الرابعة تفتقد مسؤولياتها التاريخية لقول الحقيقة

عصام الياسري على الرغم من مرور أكثر من عقدين على سقوط نظام البعث الديكتاتوري، والطبقة السياسية الماسكة بأذرع السلطة في العراق، لا تمتعض لأن تترك أساليب النفاق السياسي والكيد الفكري والكذب والخداع على المستويين،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram