محمد علي الحيدري
ليس جديدًا أن ترى إسرائيل في أي مفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران تهديدًا مباشرًا لمصالحها الأمنية، لكن ما يميز اللحظة الراهنة هو انتقال تل أبيب من دائرة القلق الصامت إلى حافة الفعل الصاخب. التقرير الأخير الذي كشفت عنه منصة Axios بشأن استعدادات إسرائيلية لضرب المنشآت النووية الإيرانية، في حال تعثر المفاوضات بين واشنطن وطهران، يؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن إسرائيل لم تعد ترى في العملية الدبلوماسية خيارًا موثوقًا أو مقبولًا. بل إن المفاوضات، بحد ذاتها، أصبحت في نظر القيادة الإسرائيلية خطرًا، ربما يفوق خطر امتلاك إيران لسلاح نووي، لأنها تنزع من إسرائيل حصرية الوصاية على تعريف "التهديد" و"الرد المشروع".
ما يثير الانتباه في تقرير Axios الذي نشر الخميس الماضي ليس نية إسرائيل ضرب إيران — فهذا سيناريو سبق وأن طُرح مرارًا — بل توقيته وطريقته. نتنياهو، الذي يكابد أزمة شرعية داخلية متفاقمة، لا يبدو أنه يسعى فقط إلى نصر أمني، بل إلى إعادة تشكيل أولويات الحلفاء، لا سيما واشنطن. فالإدارة الأمريكية، المنشغلة بتبعات الحرب في غزة وبإعادة ترتيب استراتيجيتها الشرق أوسطية، تدفع باتجاه مسار تفاوضي مع إيران. في المقابل، تحاول تل أبيب فرض إيقاع عسكري على هذا المسار، في محاولة لإبطاله أو تقويض نتائجه قبل أن تولد.
اللافت أن التحرك الإسرائيلي المحتمل، كما يوحي التقرير، لا يجري ضمن تنسيق واضح مع واشنطن، ما يعكس اتساع فجوة الثقة بين الطرفين. هذا التباين ليس جديدًا، لكنه يزداد حدة كلما شعرت إسرائيل أن السياسة الأمريكية تتجه نحو تخفيف حدة الصراع الإقليمي، ولو على حساب الرؤية الإسرائيلية التقليدية التي تعتبر طهران رأس الخطر الاستراتيجي في المنطقة.
المفارقة أن إسرائيل، التي ترفض الانخراط في أي مفاوضات مع إيران وتلوّح دائمًا بالخيار العسكري، تفترض ضمنيًا أن أي اتفاق أمريكي–إيراني يعيد طهران إلى المشهد الدولي سيسحب من يدها ورقة "العدو الوجودي" التي طالما استُخدمت لتبرير سياسة أمنية هجومية، واستثنائية عسكرية ودبلوماسية. والأدهى أن إسرائيل — التي لم توقّع على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية — تحاول رسم خطوط حمراء لدولة أخرى بمبررات لم تخضع لها هي نفسها.
الخطر إذًا لا يكمن في إيران وحدها، بل في تحوّل إسرائيل إلى طرف يرفض أي توازن إقليمي لا يمر عبر تفوقها الحصري. والرد الإيراني المحتمل، وفق ما أشارت إليه تصريحات رسمية، سيكون حازمًا وسريعًا، ما يعني أن أي مغامرة عسكرية إسرائيلية قد تؤدي إلى اندلاع حرب إقليمية لا يمكن احتواؤها، تمتد من الخليج إلى البحر الأبيض المتوسط.
إن ما يجب الانتباه إليه ليس فقط ما إذا كانت إسرائيل قادرة على ضرب إيران، بل ما إذا كانت مثل هذه الضربة ستخدم مصالحها فعليًا، أم أنها ستكون انعكاسًا لقلق سياسي عميق من فقدان السيطرة على خطاب التهديد، في عالم لم يعد يتسامح مع حصرية القوة كأداة تفاوض.










