طالب عبد العزيز
لا نعرفُ إلا القليل عن الدوائر والمؤسسات التي تدير شأن الثقافة في أوربا والعالم؛ لكننا نعرف الكثير عن النتاج الثقافي هناك، فقد وصلنا من قبل، وصرنا نقرأه أكثر بفضل الثورة الرقمية اليوم، من خلال ما ترجم منه الى العربية. شخصياً لم أقرأ إلأ القليل في الاخبار عن إتحادات أو جمعيات ثقافية، تتخللها صراعات حزبية أو مصالح شخصية، وبوضوح، تبدو الصورة هناك على خلاف ما نشاهده في شرقنا العربي، ضمن حملات التنافس الانتخابي في بغداد، الذي تطالعنا فيه إعلاناتُ الزملاء المرشحين، والذين سيتسلمون مهام إتحاد الادباء والكتاب –المركز العام-بغداد، حيث يبدو أنه بات الشغل الشاغل لكثير من الادباء، الذين انقسموا وينقسمون بين المؤيد والمعترض على أداء أيِّ مجلس منتخب، وهو ديدن قديم جديد، ولسان حال الهيئة العامة يردد الآية الكريمة:" كلما دخلت أمةٌ لعنت أختها".
يمكننا القول بأنَّ عملية إنتخاب هيئة أو مجلس ثقافي تدخل ضمن قائمة أمراض الثقافة العربية، فكلنا سمع عن ما حدث لأتحاد الادباء والكتاب العرب بعد توقيع الرئيس أنور السادات اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل، وكيف قاد الأدباء العراقيون حملة انتقال الاتحاد من القاهرة الى دمشق، وقرأنا الكثير عن تحييد دور العراق الثقافي أو تجميد العلاقة مع إتحاد الادباء والكتاب العرب عقب غزو الكويت، وكنا شهوداً على انتقال قيادة إتحاد الادباء والكتاب في العراق من الديناصورات الى الشباب في التسعينات، ومثل ذلك ما حدث مع الأتحادات العربية بعد إحتلال بغداد سنة 2003 والنقاشات التي جرت في العاصمة الجزائرية والموقف من قبول الادباء العرب لما حدث في العراق وهكذا، هناك تغليب لما هو سياسيّ على ماهو ثقافي.
والسؤال هنا يقول: ترى هل يتوقف الفعل الثقافي على وجود الاتحادات هذه؟ وهل تمكنت ثقافتنا من عبور المتوسط والبحر الأحمر والأطلنطي والى العالم محمولة على سفينة الاتحادات الأدبية تلك؟ وهل أنَّ ثقافتنا بحاجة فعلية اليها؟ وهل ثمة من دور للاتحادات هذه في نشر ثقافتنا العربية والتعريف بها؟ نحن لا نعرفُ شيئاً عن إتحاد الادباء والكتاب في كولومبيا اللاتينية لكننا نعرف كلَّ شيء عن ماركيز! وكنا قرأنا وعرفنا أعمال ماريا فارغاس يوسا، لكننا لم نسمع باتحاد أدباء البيرو، كذلك سيكون الامرُ مع بيسوا البرتغالي، وبول أوستر الأمريكي، وغيوم ميسو الفرنسي وغيرهم الكثير!! إذن، لأجل أيِّ غاية يتنافسُ هؤلاء، ولماذا تستعر حمّى الانتخابات حتى لكأنها الحرب، إنْ لم تكن الحرب الفعلية داخل القوائم المتنافسة، المعلنة والسريّة منها. مؤسف قولنا بأنَّ آليات التسقيط السياسي العراقية باتت تنسحب وبقوة داخل أروقة الفعل الثقافي.
خلال دورات ثلاث سابقة لم يستطع أدباء وكتاب إحدى المدن العراقية انتخاب مجلس إدارة منسجم، غايته خدمة الثقافة في المدينة، أو تقديم مشروع ثقافي، وظل الصراعُ قائماً، ومازال المجلسُ منقسماً على نفسه الى اليوم، والهيئة العامة تلوم نفسها على ما حدث، فالرئيس في واد، والنائب في وادٍ، والأعضاء في أودية أخرَ غائبون، ذلك لأنَّ المجلس جاء نتاج تنافس ثلاث قوائم، كلُّ رئيس قائمة يريد أن يكون رئيساً، وليس بينهم من يقبل أنْ يكون نائباً، أو أمينا عاماً، ذلكَ لأنَّ الهمَّ من الفوز لا علاقة له بالثقافة، أو خدمة الأعضاء، أبداً، إنّما هو سعيٌّ غايته الوجاهة وخلاصته إقصاء الآخر المختلف، وعلى هذه وتلك كان يتنافس المتنافسون.










