ثائر صالح
أعتبر نفسي محظوظاً عندما تمكنت قبل أسبوعين حضور حفل فرقة بودابست الاحتفالية بقيادة المايسترو إيفان فيشر في بودابست. تضمن البرنامج عملا واحد هو سيمفونية مالر الثانية، واحدة من أهم سيمفونياته. وهذه هي التجربة الثانية لي مع هذا العمل الضخم، فقد استمعت إليه في لندن الخريف الماضي مع فرقة الفيلهارمونيا اللندنية في مرآب للسيارات جرى تحويله إلى مركز ثقافي في حي غالبية سكانه من أصول أفريقية، وقد كتبت عن تجربتي الفريدة هذه التي تميزت بحصر صوت اوركسترا ضخمة وكورس يزيد عدد أعضائه عن المئة تحت سقف من الكونكريت لا يزيد ارتفاعه عن مترين في المدى (27/10/2024).
قدمت فرقة بودابست الاحتفالية هذا العمل في صالة بيلا بارتوك الكبرى في قصر الفنون الذي احتفل الشهر الماضي بالذكرى العشرين لافتتاحه، وهو من المراكز الفنية متعددة الاستعمالات، وتتميز الصالة بجودة نوعية الصوت فيها. كانت سيمفونية مالر الثانية من أوائل الأعمال التي قدمتها هذه الأوركسترا الشهيرة بقيادة فيشر في قصر الثقافة بعد افتتاحه، فهناك تسجيل يعود لسنة 2005 يعتبر أحد أهم التسجيلات الموجودة حالياً لهذه السيمفونية التي يتبارى كبار قادة الأوركسترا على تقديمها وتسجيلها، وقد استمعت إليه مراراً قبل الحفل، مثلما استمعت إلى تسجيلات أخرى لم تبز تسجيل فيشر. لكن ما فعله فيشر يوم 7 أيار كان خيالياً فاق كل التوقعات. فقد تميز العرض بالسيطرة التامة على الأوركسترا في هذا العمل المعقد، وبالأداء الباهر لكل أقسامها دون استثناء، علاوة على الحرفية العالية التي قدمها الكورس الوطني وهو أحد أفضل جوقات الغناء في المجر، ناهيك عن أداء المغنيتين المنفردتين الألمانيتين المتسو - سوبرانو أنا لوسيا ريختر والسوبرانو كريستيانه كارغ. كان العرض متعة فنية لم أحصل على مثلها حتى الآن، انه هذا النوع من الأداء الذي يحبس خلاله المرء أنفاسه منذ اللحظة الأولى لقرابة ساعة ونصف متواصلة حتى النهاية.
قدمت فرقة بودابست الاحتفالية هذه السيمفونية خلال ثلاث أمسيات متتالية حضرت ثانيها، ومن بودابست انطلقت الفرقة إلى جولة أوروبية تقدم فيها أعمال مالر ستدوم شهراً كاملاً، تبدأ في أمستردام حيث اشتركت الفرقة في مهرجان مالر الذي انتهى نهاية الاسبوع الماضي، ومن أمستردام سافرت الفرقة إلى جنيف ولوتسرن وزيورخ في سويسرا، بعدها بروج في بلجيكا وتختتمها في هامبورغ في ألمانيا.
موضوع السيمفونية هو الحياة والموت وما بعد الموت - الحياة الأزلية والقيامة بعد الموت. وقد عرفت السيمفونية باسم "القيامة" أو "البعث" نسبة إلى قصيدة الشاعر فريدريش غوتليب كلوبشتوك "البعث" التي قال عنها مالر "ضربتني كالصاعقة" عندما سمعها أثناء مراسيم توديع صديقه المايسترو هانس فون بيلو في هامبورغ سنة 1894، فاستعملها في الحركة الخامسة.
استعمل مالر في هذه السيمفونية اوركسترا ضخمة مع توكيد كبير على قسمي الإيقاع والنحاسيات التي عززها بثمان أدوات ترومبيت وعشرة أدوات من الهورن، واستعمل أورغن وأداتي هارب. يستعمل مالر قسماً من الأدوات خارج المسرح في الحركة الخامسة، مثل الترومبيت والهورن والصنوج وأنواع من الطبول ومثلث لتعزيز الشعور بالمكان عند السامع. وجرت حركة العازفين وذهابهم إلى الشرفة وصعود عازف الأورغن إلى أعلى طابق، وقرع الأجراس من نفس الطابق وفق إخراج جميل.
موسيقى الاحد: سيمفونية مالر الثانية في بودابست

نشر في: 25 مايو, 2025: 12:01 ص









