علي حسن الفوازالدولة العراقية تقف أمام رهان كبير، رهان يمس وجود هذه الدولة، ويمسّ هويتها الدستورية وشعاراتها الديمقراطية، ويمسّ أيضاً جوهر مستقبلها. ولعل تظاهرات الخامس والعشرين من شباط التي شارك فيها طيف واسع من الشعب العراقي، تمثل الخط الأحمر لهذا الرهان ومعطياته في الواقع، وبقطع النظر عن نوايا العديد من المتظاهرين، وطبيعة الأجندات التي حاولت ان تركب موجة الاحتجاج الشعبي، إلاّّ أنها تعكس في متنها وجودا عميقا لأزمة حقيقية تواجه تلك الدولة وإداراتها ومؤسساتها وبرامجها،
خاصة في ما يتعلق بضعف الأداء في تنفيذ برامج الجانب الخدماتي، واتساع مديات ظواهر الفساد السياسي والمالي والإداري، وفشل الكثير من الإدارات السياسية في التعاطي مع المشكلات الحقيقية للناس، خاصة في ما يتعلق بالخدمات العامة، وفي ما يتعلق بتأهيل البنية التحتية للواقع العراقي الذي يعاني منذ عقود طويلة من آثار مشكلات عميقة، فضلا عن سوء اختيار الكثير من الإدارات المحلية للتصدي لمعالجة هذه المشكلات التي باتت تؤرق الشارع العراقي، وتثير حولها الكثير من الشبهات، خاصة ان الحديث يجري عن(صرف)مليارات الدولارات لتنفيذ مشاريع هذه الخدمات التي تبدو عائمة وليس لها اثر حقيقي على الأرض. قد لا نجد لتسمية دولة الخدمات مبررا سوى أنها أصبحت اليافطة العالية التي تحتشد تحتها احتجاجات الناس الذين يعانون مشكلات اجتماعية ومعيشية أبرزها البطالة وهشاشة بنية الدولة وترهل واقعها السياسي، فضلا عن الأزمات العميقة لهموم والإرهاب والأمن والفساد والرشوة والمحسوبية وغياب الخدمات، ومنها ما يتعلق بالخدمات الحياتية كالكهرباء والماء والجهد البلدي والتي تحولت للأسف إلى(عقدة اجتماعية)لها مرجعيات سياسية وثقافية، وربما لها ما يجعلها جزءا من الصراع والتجاذب السياسي غير المبرر بين الكثير من الفرقاء السياسيين، والذين يستخدم بعضهم هذه الورقة لتعويق عمل الحكومة أساساً، ولإفشال برنامجها، ولرمي الحجر على بعضهم الآخر، رغم أنهم جميعا مشتركون في العملية السياسية. توصيف الأزمة وخطورتها هو الذي فجّر المنطقة الساخنة، وأعطى مبرراً للحديث عن ظاهرة هذه الأزمة، إذ أن فشل الإدارات الخدمية وكثرة الوعود غير النافذة التي تطلقها هنا أو هناك، وضع البعض امام الشك بمصداقية هذه الإدارات التي افتقدت الشفافية الحقيقية في التعاطي مع هموم الناس، واذا كانت هذه التظاهرات ظلت سلمية، ومحدودة بسبب مواقف البعض من السياسيين ورجال الدين الذين دعوا وأكدوا أهمية الحفاظ على(البيت العراقي)وضرورة سلمية هذه التظاهرات، فضلا عن تشكيكهم بنوايا العديد من الاجندات الخارجية والارهابية التي يمكن أن تقف وراء سياسات إثارة النعرات والصراعات وإخراج التظاهرات من طابعها السلمي الحقيقي. فكيف لنا ان نضمن في المستقبل استمرار هذه السلمية اذا ظل الواقع الخدماتي مترديا وسيئا وخاضعا الى ذات السياسات والإدارات غير الكفوءة وغير المهنية؟ إن ما حدث في الخامس والعشرين من شباط خطير جدا، ويؤشر حجم مايمكن ان يتركه الشارع الغاضب من أثر على معطيات الواقع، وعلى يوميات السياسة العراقية، خاصة أن الشارع العربي من حولنا يغلي بالكثير من الحرائق، والصراعات والازمات، والتحديات التي اثرت واسقطت نظما سياسية ديكتاتورية. ورغم ان الدستور العراقي قد ضمن حق التظاهر والتعبير عن الآراء والمواقف السياسية، إلاّ أن الواقع العراقي يملك خصوصيات معينة، قد يستثمرها البعض من داخل العملية السياسية ومن خارجها ولأجندات معروفة في توظيف هذه الخصوصيات لحسابات ومصالح غير وطنية، قد تعيد العراق الى منطقة الصراعات التي تهدد السلم الاهلي، وبالتالي التشكيك بجدوى العملية السياسية برمتها تحت يافطة عجز القوى الجديدة عن التفاعل مع ظاهرة الدولة الديمقراطية، وعن تأمين منظومة الحقوق والحريات التي ترتبط عضويا بهذه الدولة. وقد أجد حاجة ضرورية للاستعانة بتوصيف ضرورة(دولة الخدمات) من منطلق ضبط توازنات التجاذبات والتقاطعات الحادة التي تعصف بالشارع العراقي ، حيث تكون الخدمات بكل مفاصلها الاجتماعية والاقتصادية هي المنطقة الهشة التي ترهن الواقع السياسي للاختبار، مثلما ترهن الوعي السياسي والكثير من مواقف القوى السياسية المشتركة في العملية السياسية بشكل خاص الى حقيقة تعاطيها وتفاعلها مع ما يحمله المشروع الوطني للدولة العراقية الجديدة من اشتراطات ومن أداور ومن برنامج اتفق على إدارته وتنفيذه الجميع، وكذلك من تأمين حقيقي لمصادر واضحة في بيان قوة مشاركتها الجادة في تنمية الواقع العراقي، لاسيما وان الكثير من هذه التظاهرات الأكثر احتجاجا كانت في المحافظات والمدن التي تديرها قوى سياسية تابعة للقائمة العراقية التي كان صوتها عاليا في المحاججة وتبني مشاريع (الإنقاذ الخدماتي)ان فشل هذه الإدارات يعني فشل اغلب الإدارات المحلية في المحافظات على مستوى المؤسسات التشريعية والتنفيذية والبلدية، ومن هنا تبدو الحاجة الى مراجعة جادة للواقع العراقي أمراً لا يمكن تأخيره لان(الحديدة أصبحت حارة)كما يقول المثل الشعبي، وان المزيد من التأخير والتسويف والفشل يمكن ان يفجّر الشارع العراقي الذي تجاوز منطقة الخوف، وبطريقة لا يمكن السيطرة على تداعياتها. الخدمات أزمة إدارية أم أزمة سياسية!!قد يستحق هذا التوصيف وقفة جادة، ورؤية اكثر موضوعية، لان الإدارات لا تمش
ما بعد الخامس والعشرين من شباط..أسئلة مفتوحة أمام دولة الخدمات!!
نشر في: 26 فبراير, 2011: 04:58 م