عصام الياسري
لطالما العديد من حكومات دول الجوار حكومة ومواطنين، يدافعون بشراسة عن كل شبر من أرض بلادهم، يصونون مصالحهم الاستراتيجية حتى ق. نسأل، لماذا يتسابق بعض الفئات والمسؤولين في العراق للتنازل والاستهتار بأرض بلادهم، وكأن العراق وطن بلا شعب ولا تاريخ وحضارة، بل عبء يريدون التخلص منه؟
نتساءل مرة أخرى، كمواطنين عراقيين غيارى على بلدهم، مثل مواطني دول الجوار على بلادهم ومصالحها. لماذا يفرط بعض الساسة بمصالح وطنهم؟ لماذا تتحول خيرات البلاد إلى صفقات، وتمنح السيادة، حدودا، برية وبحرية وجوية، وثروات طبيعية كبيرة في باطن الأرض على طبق من ذهب للآخرين من دول الجوار؟. هل صار العراق ضعيفا إلى هذا الحد، أم أن هناك من ارتضى لنفسه أن يكون أداة بيد الخارج، يساوم كما يشاء على ما لا له حق عليه؟.
في قضية خور عبد الله... ذاك الشريان البحري المهم الذي يفترض أن يكون من ركائز السيادة العراقية، بللاسف لم تتم مناقشته عبر فريق مفاوض حرفي ونزيه. وعلى الجانب الآخر، تهدر ثرواتنا في آبار النفط الحدودية، تستنزف دون اتفاقيات قانونية عادلة تحفظ حق العراق وأجياله القادمة. وهذه المسألة بموجب الدستور حصرا، هي من المسؤوليات المركزية للدولة والحكومة، أية حكومة كانت.
كما أن المصلحة الوطنية؟ توجب على المسؤول، من أقسم أمام المشرع وعهدة الشعب أن يرتقي لمستوى المسؤولية الدستورية والقانونية التي أقسم بواجبها على أن يحمي البلاد وثرواتها ويدافع عن مصالحها ويصون مصالح شعبها. وأن لا يساوم لأجل مكاسب فئوية ضيقة أو يغلب مصالحه الشخصية على حساب مصلحة الشعب وكرامة الوطن؟
العراق ليس إرثا شخصيا، يقسم ويمنح، بإرادة من يشاء مهما كانت منزلته. العراق أمانة في أعناق الجميع، والتاريخ سيحاسب، كما تحاسب الأجيال كل من فرط ويفرط بشبر من أرضه وكل برميل نفط يهدر، وعلى كل قرار أضعف هيبة الدولة وأساء لمجتمعاتها المتعددة الثقافات.
وفي هذا المنحى فيما يتعلق بالآبار النفطية المشتركة، سواء على الحدود مع الكويت أو مع إيران، فالصورة قاتمة أكثر. يتم استنزاف ثروات العراق بلا محاسبة، ولا موقف صارم، ولا حتى شفافية في عرض الحقائق أمام الشعب. وفي الوقت الذي تتبنى فيه دول الجوار استراتيجيات تأمين طاقي لزيادة استخراج براميل النفط، يتعامل العراق مع ثرواته وكأنها فائض مهمل، لا حاجة إليه ولا مدافع عنه.
أما عن حقوق العراق في شط العرب، إننا نستغرب أيضا، لماذا لا يدافع أصحاب المسؤولية، وبشكل خاص أحزاب السلطة داخل الحكومة أو خارجها)، مثلما يدافع البعض من دول الجوار عن كل شبر في شط المواسم؟. ونستغرب، لماذا لا تستفيق الحكومة العراقية من سباتها وتتجه للاستفادة من الأصدقاء الحقيقيين في مجلس الأمن، أو لوبيات الضغط العالمية لكسب ودها إلى جانب العراق لحلحلة مشاكله المتعددة الأشكال مع دول الجوار، بينما يتفنن جيرانه في استخدام كل أدوات القوة الناعمة والخشنة لخدمة مصالحهم؟. وعلى ما يبدو أن مصلحة العراق لدى من يتحكم بالقرار ليست هي البوصلة التي ينبغي، أنما مصالح الأحزاب والولاءات الفئوية العابرة للحدود، التي لا تتقيد بعقيدة الحاكمية الوطنية؟... أسئلة طالما طرحت ولم تلق أذنا صاغية!!
المؤسف أن كثيرا من قرارات التنازل لا تتخذ بناء على دراسات استراتيجية ووطنية إنما نتيجة صفقات ومساومات ورشا وتوازنات هشة، أو المجاملات أثناء عقد الصفقات والمواثيق، ليس من قبل رجال دولة حقيقيين. مما يجعل العراق يبدو في المحافل الدولية وكأنه الحلقة الأضعف، لا لضعف إمكانياته، بل لضعف إرادة المدافعين عنه في الداخل والخارج.
إن وقف تنازلات الحكومات المتعاقبة منذ 2003 وبتواطؤ من قبل بعض الساسة والمسؤولين العراقيين بحاجة إلى قادة يضعون مصالح الوطن أولا، لا تابعين يبحثون عن رضا الخارج. بحاجة إلى عقل سياسي يخطط لمئة عام قادمة، لا إلى مسؤولين يخططون لسنوات وصفقات انتخابية قصيرة الأمد. بحاجة إلى إرادة حرة لا تتنازل عن الأرض، ولا عن نقطة نفط، ولا عن منفذ حدودي. والأهم: بحاجة إلى صحوة وطنية حقيقية تضع مصلحة العراق فوق كل اعتبار، لأن من لا يدافع عن بلده، الوطن الأم، لا يستحق شرف تمثيله...










