طالب عبد العزيز
بين إصرار الجهات الفنية على عدم إقامة سدِّ على شط العرب، والتأخر الطويل جداً لمشروع تحلية ماء البحر مازال لسان الملح زائراً ثقيلاً في البصرة، لا يحجبه حاجب، ولا يلجمه لاجم، اللهم، إلا إذا كان موسم الامطار الشتوية في المنطقة وفيراً، وهذا ما لم يحدث في العام الماضي، وهكذا بدأ زحفه على أنهارها، نهاية شهر نيسان ومازال يزحف، وبحسب تصريحات وزارة الموارد المائية، التي تقول بأنَّ مخزونها من الماء هذا العام هو الأدنى منذ عشرات السنين، بمعنى أنَّ الاطلاقات من دجلة ستكون قليلة جداً، خلال الشهور القادمة، وستزداد التراكيز الملحية في الشط حتى بداية موسم الامطار في تشرين الأول أو الثاني، أو بحسب مشيئة الطبيعة.
بعد أربع سنوات من وضعه على جدول أعماله هللت الجهات الحكومية المحلية لمصادقة مجلس الوزراء على انشاء محطة التحلية على بحر الفاو، وتخصيص المال اللازم لها، واستبشر البصريون خيراً بذلك، لكنْ، عليهم أن ينتظروا ثلاث سنوات أخر لأكماله، وهي مدةٌ طويلة، وطويلة جداً، وقد تطول أكثر، بناءً على تصريحات بعض المناوئين، الذين يجدون في شركة الرضا العراقية التي دخلت متحالفة مع شركة باور تشاينا حلقة زائدة، على الرغم من أنَّ فكرة التحلية ستقوم باستخدام تقنيات التناضح العكسي، والتي ستنتج مليوم متر مكعب يومياً، بما ستنتهي بموجبه معاناة أربعة مليون من البصريين، فضلاً عن تأمين كهرباء ثلاثة آلاف ميكاواط من الكهرباء ببحسب أقوال المسؤولين الحكوميين.
في بحث سريع عن المشاريع التي نفذتها شركة باور تشاينا وجدنا أنها شركة عملاقة، ممولة من الحكومة الصينية، وتديرها لجنة مراقبة وإدارة الأصول المملوكة للدولة الصينية، وهي جزء من صناعة الإنشاءات الهندسية الثقيلة والمدنية، وتتكون من 779 شركة تحت إشرافها. في عام 2020، احتلت شركة باور تشينا المرتبة 157 بين كبريات الشركات الصينية، ونفذت مشاريع في كثير من دول العالم، مثل مشروع هيدروتشاينا داود لطاقة الرياح في الباكستان، والسدود المتتالية لنهر نام أو، في لاوس، ومشروع داو تينغ للطاقة الشمسية في فيتنام، وبوابة ملقا في ماليزيا، ومحطة لامو لتوليد الطاقة بالفحم في كينيا، ومحطة أياجو للطاقة الكهرومائية في أوغندا، ومحطة كيبا للطاقة الكهرومائية، في أوغندا أيضاً، وسد مروي، في السودان، ومحطة بوالجو للطاقة الكهرومائية، في غانا، ومشروع ميناء قاسم الباكستاني للطاقة، ومصنع زيمبابوي-زيمبابوي، والمشاركة في مشاريع داخل الصين مثل مشروع الخوانق الثلاثة، ومحطة زوكسيان للطاقة، ومزرعة لونغ يوان رودونغ لرياح المد والجزر، وخط السكك الحديدية عالي السرعة، بين بكين وشانغهاي وهكذا، وفي نوفمبر/ 2020، أعلن يان تشيونغ، رئيس شركة باور تشينا، في وسائل الإعلام الحكومية الصينية، عن بناء سد "فائق" على نهر يارلونغ زانغبو، وهو أكبر بثلاث مرات من أكبر مشروع للطاقة الكهرومائية الحالي في العالم، وهو سد صيني أيضًا.
واضح أنَّ التقاطعات السياسية والمصالح الحزبية والشخصية في بغداد وراء تأخير المشروع، ووراء تأخير عشرات المشاريع الأخرى ايضاً، وواضح حجم الضرر الذي لحق بالبصريين، في صناعتهم وزراعتهم وثروتهم الحيوانية وبيوتهم وأرواحهم، وأنَّ التربة الزراعية اكتست بأطنان الملح، ولن تعد صالحة لإنبات شجيرة صغيرة، لو نظرنا الى عدد الحدائق التي تحترق سنوياً في بيوتهم لوقفنا على الملايين من الدنانير. هل يعلم المسؤولون في بغداد بأنَّ البصري أكثر سكان العراق استهلاكاً للصوابين والشامبوات والمطهرات والمنظفات المنزلية، وأنه يخسر مئات الألاف من ماله سنوياً ليؤمن مياه الشرب والاستحمام والغسل، ومعلوم لدى المختصين حجم التلوث الذي تسببه المواد الكيماوية في أنهار المدينة، التي أمست مكبات لما تلفظه البيوت في ابي الخصيب وشط العرب وسواها.
لسان الملح الذي اندلع في شط العرب منذ أكثر من شهر سيصل أعالي المدينة في غضون الشهرين القادمين، وسيعمل على تعطيل مشروع ماء القناة الاروائية، التي تصل الفاو، وستكون محطة التحلية في المحيلة بأبي الخصيب، والتي لم تؤمن ربع حاجة القضاء منذ انشائها عرضةً للتوقف بسببه، ولن يتوقف الامر عند الحدِّ هذا، إذْ سيؤول مصير مئات وآلاف الفسائل والأشجار والنباتات التي غرست خلال السنتين الماضيتين هي الأخرى الى الهلاك، فضلاً عما يلحقة ذلك بالتروة الحيوانية والبيئية والبشرية. أخرّنا البشرية لعلمنا بأنَّ حياة البصريين تقع في آخر اهتمامات الحكومة العراقية ببغداد.










