الأنبار / علي أحمد راضي
في مشهد يتكرر يوميًا في شوارع الرمادي وسوقها الرئيس، يقف أطفال لا تتجاوز أعمارهم العشر سنوات على الأرصفة، يبيعون المناديل أو ينقلون البضائع، في سعيهم لتأمين لقمة العيش، وسط أوضاع معيشية صعبة تُجبرهم على ترك مقاعد الدراسة، وتحرمهم من أبسط حقوقهم في التعليم والكرامة.
شهادات من الميدان
يقول المواطن علي كريم، أحد مرتادي سوق الرمادي، في حديث لـ(المدى): «أشاهد أطفالًا يعملون منذ ساعات الصباح الأولى مقابل مبالغ زهيدة. مكان الطفل الطبيعي هو المدرسة، لا السوق. لكن الفقر والإهمال أوصلاه إلى هنا. لو كانت هناك رواتب حقيقية للعائلات الفقيرة، لما اضطر الأطفال للعمل».
أما أبو مصطفى، صاحب محل مواد غذائية، فيروي: «جاءني أكثر من مرة أطفال صغار يطلبون العمل. يعملون بجد، لكن التعب والخوف يملآن وجوههم. أحيانًا أساعدهم، لكنني أشعر بالأسى لأن هذا ليس مكانهم. لا تأمين، لا طعام كافٍ، ولا من يسمع. الجهات المعنية لا تتحرك، والناس اعتادت رؤيتهم كأنهم جزء من السوق».
بحسب تقرير صادر عن المركز الستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق، فإن البلاد تحتل المرتبة الرابعة عربيًا في معدلات عمالة الأطفال، بعد اليمن والسودان ومصر. وتبلغ نسبة الأطفال العاملين 4.9% من الفئة العمرية بين 7 و17 عامًا، أي ما يُقارب 700 إلى 800 ألف طفل، يعمل العديد منهم في ظروف لا تراعي حقوقهم ولا أعمارهم، وغالبًا ما تكون خطرة ومهينة.
يرى علي البياتي، رئيس مجموعة «مدافعون لحقوق الإنسان» (DHR – لاهاي)، في تصريح لـ(المدى)، أن «عمالة الأطفال تُشكّل انتهاكًا صريحًا للمعايير الدولية، إذ تحرم الطفل من حقه في التعليم والنمو الآمن. مليونَا طفل في الدول العربية يُعدّون ضحايا لهذه الظاهرة، بينهم نحو 800 ألف في العراق».
ويضيف أن «الفقر، وتدني المستوى المعيشي، وتراجع قيمة التعليم، وارتفاع البطالة، والنزوح الجماعي الناتج عن النزاعات، كلها عوامل ساهمت في توسيع الظاهرة».
ويشير إلى أن «ضعف تطبيق قوانين حماية الطفل، وغياب برامج الرعاية الاجتماعية، واستغلال الأطفال من قبل شبكات التسوّل أو الاتجار بالبشر، جعل من هذه الفئة فريسة للاستغلال، في وقت تبدي فيه الجهات الرسمية تقصيرًا واضحًا في إيجاد معالجات فعالة».
يدعو البياتي إلى «تفعيل القوانين التي تمنع تشغيل الأطفال دون السن القانونية، وتشديد العقوبات بحق المخالفين، وتوفير بدائل مالية للعائلات المحتاجة، إلى جانب حملات توعية مجتمعية حول مخاطر عمالة الأطفال، وأهمية إعادتهم إلى مقاعد الدراسة عبر برامج تعليمية مرنة».
تتحوّل أرصفة الأسواق يومًا بعد يوم إلى مسرح لحكايات الطفولة المهدورة، في ظل تجاهل حكومي وتطبيع اجتماعي مع الظاهرة. ويبقى هذا الواقع من أخطر صور انتهاك حقوق الإنسان في العراق.










