متابعة / المدى
أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، أن طهران سلّمت أول ردّ مكتوب إلى الولايات المتحدة بشأن مقترح الاتفاق النووي، دون أن يُعدّ ذلك قبولاً أو رفضاً نهائياً.
وقال في مؤتمره الصحفي الأسبوعي، أمس الإثنين، إن “استلام المقترح الأميركي لا يعني القبول به، بل هو إجراء روتيني ضمن العملية التفاوضية”، مضيفاً أن “كل نص يُعرض يُدرس بعناية ثم يُرد عليه بما يتفق مع مصالح ومبادئ الشعب الإيراني”. وشدد بقائي على أن أي وثيقة تتجاهل الحقوق المشروعة لإيران أو تنطوي على مطالب متطرفة لن تلقى رداً إيجابياً من طهران. وأوضح أن التوقعات كانت تشير إلى أن تعكس المقترحات ما جرى الاتفاق عليه خلال خمس جولات من المحادثات بين الجانبين، لافتاً إلى أن الردود الإيرانية تستند إلى التوجيهات التفاوضية السابقة.
وبخصوص التسريبات المتعلقة باحتمال تجميد العقوبات بدلاً من رفعها، استبعد بقائي ذلك قائلاً: “هل فعلاً صدقتم هذا الكلام؟ إنهاء العقوبات هو عنصر أساسي لا يمكن التنازل عنه في أي اتفاق”، موضحاً أن تكرار العقوبات مع كل جولة تفاوضية لا يعني تغيّراً في النهج الأميركي، وهو ما يضع مصداقية المقترحات الأميركية موضع شك.
وفي السياق ذاته، نفى بقائي وجود أي لقاء بين مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، ووزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، في القاهرة، مؤكداً أن “الخبر غير مؤكد”.
رفض ضمني
وفي تطور متصل، نقلت وكالة «رويترز» عن دبلوماسي إيراني رفيع المستوى، اليوم الإثنين، أن إيران تعتزم رفض المقترح الأميركي الأخير الهادف إلى إنهاء النزاع النووي المستمر، واصفاً إياه بأنه «غير قابل للتنفيذ» ولا يلبي مصالح البلاد الوطنية. وأوضح المصدر، الذي رفض الكشف عن هويته، أن “المقترح لا يتضمن أي تعديل جوهري في موقف واشنطن إزاء تخصيب اليورانيوم، وهو أمر غير مقبول تماماً بالنسبة لإيران”.
وأضاف أن النص الأميركي لا يقدم ضمانات حقيقية بشأن رفع العقوبات، وأنه يُكرّر المواقف السابقة للولايات المتحدة “دون تغيير في الشكل أو المضمون”. وتابع أن المقترح يغفل الحقوق النووية الأساسية لطهران، ولا يوفر الحد الأدنى من الضمانات التي تطالب بها الجمهورية الإسلامية.
تحرك دبلوماسي وتصعيد
تأتي هذه التصريحات فيما تمر المفاوضات بين إيران والقوى الغربية، لا سيما الولايات المتحدة، بحالة جمود منذ أشهر، رغم جهود وساطة أوروبية تقودها فرنسا لإحياء الاتفاق النووي الموقع عام 2015. ويأتي المقترح الأميركي الجديد بعد صدور تقرير من الوكالة الدولية للطاقة الذرية يفيد بأن إيران كثّفت عمليات تخصيب اليورانيوم إلى نسب قريبة من الاستخدام العسكري، في خطوة أثارت قلق المجتمع الدولي، خصوصاً القوى الأوروبية.
ووفقاً للوكالة، فإن إيران تواصل تخصيب اليورانيوم بنسبة 60%، وهي نسبة تقترب من مستوى 90% المطلوب لتصنيع الأسلحة النووية، رغم تأكيد طهران أن برنامجها سلمي بالكامل. وفي هذا الإطار، أعلن وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، أنه تلقى “عناصر من مقترح أميركي” عبر وزير الخارجية العُماني خلال زيارته لطهران، لكنه شدد على ضرورة الحصول على ضمانات حقيقية بشأن رفع العقوبات.
وذكر عراقجي في بيان رسمي، الأحد، أنه حذّر في اتصال هاتفي مع رافائيل غروسي من استغلال القوى الأوروبية للتقرير الأممي “بهدف فرض ضغوط سياسية على إيران”، مشيراً إلى أن “إيران سترد بشكل مناسب على أي تحرك غير مقبول من قبل فرنسا وبريطانيا وألمانيا”.
طهران: لن نوقف التخصيب
في تصريحات تعكس تصلب الموقف الإيراني، أكدت طهران أنها ستواصل تخصيب اليورانيوم “مع أو بدون اتفاق”، معتبرة أن ذلك حق سيادي غير قابل للنقاش. وتأتي هذه التصريحات رداً على إعلان المبعوث الأميركي الخاص، ستيف ويتكوف، الذي قال إن بلاده تضع “خطاً أحمر” يتمثل بمنع إيران من أي نشاط لتخصيب اليورانيوم.
ويتضمن المقترح الأميركي، بحسب تسريبات نشرتها صحيفة “نيويورك تايمز”، مجموعة من النقاط الموجزة وليس مسودة اتفاق كاملة، ويدعو إلى وقف كافة أنشطة التخصيب مقابل إنشاء تجمّع إقليمي لإنتاج الطاقة النووية يضم كلاً من إيران والسعودية ودولاً عربية أخرى، إلى جانب الولايات المتحدة، في محاولة لإضفاء طابع جماعي على البرنامج النووي.
ورغم تأكيد الجانبين، الإيراني والأميركي، أن خمس جولات من المباحثات قد أحرزت تقدماً نسبياً، إلا أن التباين حول مسألة التخصيب ورفع العقوبات لا يزال يشكل عقبة رئيسية أمام أي اتفاق نهائي. ويرى مراقبون أن تمسك إيران بحقها في التخصيب واشتراطها ضمانات مكتوبة لرفع العقوبات يضع الإدارة الأميركية في موقف صعب داخلياً ودولياً.
كانت إيران قد وقّعت عام 2015 اتفاقاً مع الدول الكبرى (الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، ألمانيا، روسيا، والصين) يفرض قيوداً صارمة على برنامجها النووي مقابل رفع تدريجي للعقوبات. إلا أن إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب انسحبت من الاتفاق في أيار/مايو 2018، وأعادت فرض عقوبات شاملة على طهران، ما دفع الأخيرة إلى التراجع تدريجياً عن التزاماتها بموجب الاتفاق.
ومنذ ذلك الحين، شهد الملف النووي الإيراني حالة من التصعيد المتبادل، بينما تصاعدت المخاوف من أن يؤدي الانسداد السياسي إلى خيار عسكري، خاصة في ظل تعهدات ترامب -الذي يسعى للعودة إلى البيت الأبيض- باستخدام القوة حال فشل المسار الدبلوماسي.
ووفقاً لتقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن إيران هي الدولة الوحيدة غير النووية التي تقوم بتخصيب اليورانيوم بهذه النسبة العالية، وهو ما يزيد من المخاوف بشأن نواياها المستقبلية، رغم نفيها المتكرر للسعي نحو تطوير سلاح نووي.










