متابعة / المدى
تشهد منطقة هور «ابن نجم» الممتدة بين محافظات النجف وبابل والديوانية كارثة بيئية متفاقمة تمثّلت في نفوق جماعي للأسماك نتيجة انخفاض مناسيب المياه وتراجع مستويات الأوكسجين، وسط تحذيرات من تأثيرات اقتصادية وبيئية تمسّ حياة آلاف الأسر التي تعتمد على الهور مصدرًا رئيسًا للرزق والغذاء.
تدهور بيئي
هور «ابن نجم»، الذي أعيد تأهيله مؤخرًا ضمن مشروع حكومي مشترك لإحياء الأهوار الوسطى، يمتد عبر نواحي القاسم والكفل في بابل، والطليعة في الديوانية، والحرية في النجف. وقد شكّل هذا الهور بيئة طبيعية خصبة أسهمت في توفير مصدر رزق للعديد من العوائل من خلال الصيد وتربية الأسماك.
لكن، ورغم الجهود المبذولة في بداية المشروع، والتي شملت ضخ المياه بشكل منتظم على مدى أربعة أشهر، وإدخال أطنان من الأسماك، إلا أن توقف عمليات الضخ بسبب أعطال فنية في المضخات المغذية، أدى إلى جفاف مفاجئ في أجزاء واسعة من الهور، ما تسبب بانخفاض حاد في نسبة الأوكسجين في المياه، وبالتالي نفوق جماعي للأسماك.
الناشط البيئي من النجف، أبو زين العابدين، عبّر عن خيبة أمله في تصريح صحفي قائلاً: «ضخوا المياه وأدخلوا الأسماك بأطنان، لكنهم أوقفوا الضخ فجأة. اليوم نواجه كارثة، آلاف الأسماك نفقت، ومصدر رزق السكان انهار بالكامل».
السكان يواجهون فقدان موردهم الوحيد
السكان المحليون، الذين يعيش كثير منهم عند أطراف الهور، وجدوا أنفسهم في مواجهة مصير غامض بعد فقدانهم مصدر رزقهم الوحيد. أحد سكان ناحية الحرية صرّح قائلاً: «الهور كان حياتنا. كنا نأكل منه ونعيش عليه. الآن لا ماء ولا سمك، ولا نملك مصدر رزق آخر. نحن نعتمد بالكامل على هذا الهور».
المشاهد التي تداولها الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي أظهرت كميات ضخمة من الأسماك النافقة تطفو على سطح الماء في مشهد صادم، بينما تسبح بينها الجواميس في بيئة آخذة في التدهور. ويقع الجزء الأكبر من الهور المتضرر على بعد 25 كيلومتراً شمال شرق مدينة النجف، ممتدًا إلى الحدود مع محافظتي بابل والديوانية.
وفي توضيح للأسباب، أكد مدير الموارد المائية في النجف، شاكر العطوي، أن هور «ابن نجم» لا يمتلك حصة مائية رسمية، بل يعتمد على مياه البزل، وهي مياه مالحة لا يمكن الاعتماد عليها في ظل الارتفاع الحاد في درجات الحرارة، ما أدى إلى جفافها وبالتالي انهيار النظام البيئي في الهور.
وقال العطوي: «الحصة المائية للنجف صفر. لا توجد موارد مخصصة حتى للزراعة الصيفية. كل تركيزنا حاليًا على تأمين مياه الشرب، وهذا أيضًا في خطر بسبب الجفاف الحاد».
الجهات المعنية تتحرك بعد فوات الأوان
من جهتها، أفادت مديرية بيئة النجف، عبر مديرها جمال عبد زيد، بأن المديرية تلقّت شكاوى من المواطنين ومسؤولين محليين حول نفوق الأسماك، وتم تشكيل فريق عمل كشفي متخصص لمعاينة الموقع وتحديد الأسباب بدقة.
وبحسب عبد زيد، فإن من المبكر تحديد السبب المباشر، لكن المؤشرات الأولية تشير إلى أن انحسار المياه وركودها، إضافة إلى نقص الأوكسجين المذاب في المياه، هي العوامل الرئيسة. كما لم يُستبعد احتمال أن يكون بعض الصيادين قد لجأوا إلى وسائل صيد مدمّرة مثل الصيد بالكهرباء أو المواد السامة.
أزمة المياه تتفاقم
وتأتي هذه الكارثة ضمن سياق أزمة مائية أوسع تضرب البلاد، حيث تواصل تركيا تشديد قبضتها على منابع نهري دجلة والفرات من خلال مشاريع سدود ضخمة وسياسات تقنين صارمة. وقد أدى ذلك إلى تراجع كميات المياه الواردة إلى العراق، ما أثر بشكل مباشر على الري ومياه الشرب وتغذية الأهوار.
وحذّر عضو لجنة الزراعة والمياه النيابية، ثائر مخيف، من أن استمرار الأزمة دون حلول مستدامة سيؤدي إلى تعطيل استغلال أكثر من نصف الأراضي الصالحة للزراعة، مشيرًا إلى أن الأزمة تمثل تهديدًا مباشرًا للأمن الغذائي والاقتصادي للبلاد.
وقال مخيف في تصريح صحفي: «حالة الجفاف التي تشهدها محافظات الفرات الأوسط والجنوب، وتحديدًا الأراضي الزراعية والبساتين والأهوار، تسببت في مشكلات كبيرة وأثرت على معيشة السكان»، مضيفًا أن «الأزمة الحالية تتطلب وقفة جادة لإيقاف التجاوزات على الحصص المائية بين المحافظات، وضمان حقوق المناطق الواقعة على الأنهار الرئيسة».
مستقبل الأهوار في مهب الريح
ومع دخول العراق فصل الصيف بخزين مائي وصفه وزير الموارد المائية الأسبق محسن الشمري بـ«الحرج جدًا»، تتعاظم المخاوف من فقدان المزيد من البيئات الطبيعية، وعلى رأسها الأهوار التي تمثل إرثًا بيئيًا وثقافيًا مهمًا، ومساحة حيوية للثروة السمكية وتربية الجاموس.
ويرى مراقبون أن كارثة هور «ابن نجم» تمثل جرس إنذار مبكر لما قد تواجهه مناطق أخرى من الأهوار العراقية في حال لم تُعتمد سياسات مائية أكثر واقعية واستدامة، بعيدًا عن الحسابات السياسية والتجاذبات الإقليمية.