ماري بيير فيلنوف دوبوك
ترجمة: عدوية الهلالي
في العصر الرقمي، أصبح التلاعب الاستراتيجي بالمعلومات، أو التضليل الإعلامي، يشكل خطرا ملحا على استقرار الديمقراطيات. ولا تشكل كندا استثناءً من هذه الظاهرة، كما يتضح من محاولات التضليل والتدخل الأجنبي التي حدثت منذ الانتخابات الفيدرالية لعام 2019.وعلاوة على ذلك، أعربت هيئة الانتخابات الكندية عن مخاوفها للمنصات الرقمية الرئيسية فيما يتعلق بالتضليل خلال فترة الانتخابات الأخيرة التي جرت في نيسان لانتخاب مجلس عموم البرلمان الكندي لعام 2025.
وتهدف هذه الحملات إلى إفساد النظام العام، سواء لتحقيق مكاسب سياسية أو اجتماعية أو دينية.وقد تم نشرها على شبكات التواصل الاجتماعي على نطاق واسع بهدف جعل المعلومات الكاذبة (الأخبار المزيفة) أو المعلومات من مصادر مخترقة عامة ومرئية للجميع.
ومن بين العديد من التقنيات التي تم تطويرها في القرن الحادي والعشرين، يتم استخدام روبوتات وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الأخبار المزيفة. ولتقييم وضع التدخل السياسي الناجم عن الروبوتات الاجتماعية خلال الحملة الانتخابية الفيدرالية الكندية لعام 2019، قمنا برسم صورة لنشاط الحسابات التي تم تحديدها على أنها ضارة على الشبكة الاجتماعية X (تويتر سابقًا).
التضليل الإعلامي منذ عام 2016
خلال الحملة الرئاسية الأمريكية لعام 2016، ظهرت مزاعم بالتدخل السياسي الروسي، مما يشير إلى أن مجموعة التجسس الإلكتروني المرتبطة بالاستخبارات العسكرية الروسية (GRU) ساعدت في انتخاب دونالد ترامب. وتزعم أنها استخدمت هجمات إلكترونية ضد الديمقراطيين وأنشأت آلاف الروبوتات لنشر المعلومات المضللة عبر الإنترنت.وأكد التحقيق الذي أجراه المدعي العام الأمريكي روبرت مولر وجود جهات روسية وهجمات إلكترونية تهدف إلى التأثير على النتائج.وفي العام نفسه، كان الباحثون في جامعة جنوب كاليفورنيا يسلطون الضوء بالفعل على المخاطر المتزايدة التي تشكلها هذه الحملات الخبيثة المنتشرة عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
وفي الواقع، تحاكي هذه المعلومات المفبركة شكل المحتوى الإعلامي، لكنها لا تتبع نفس العملية التحريرية لضمان الدقة والمصداقية. وبالإضافة إلى التدخل في معرفة القراء، فإن هذه القصص الإخبارية الكاذبة يمكن أن يكون لها آثار مدمرة. بل إنها قد تضر بالحرية الفكرية للأفراد، وقد تؤثر حتى على القرارات السياسية، كما حدث في عام 2016، خلال الانتخابات الرئاسية الأميركية.
زرع الشك وتدمير السمعة
وتنتشر المعلومات الكاذبة (المعلومات المضللة أو المعلومات المضللة) في المقام الأول من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.وبفضل جمهورها الكبير وبنيتها التي تسهل استغلال الرسالة بسهولة وعلى نطاق واسع، فإن هذه الوسيلة مثالية لنشر المعلومات بسرعة في جميع أنحاء العالم.
وفي السياق الانتخابي، تهدف بعض الروبوتات الاجتماعية إلى إثارة الشكوك أو حتى الإضرار بسمعة المرشح. وقد تم تحديد هذه الأساليب على أنها تهدف إلى خلق الانقسام بين الناخبين باستخدام أساليب الإقناع السياسي.
ومن الأمثلة الكندية الحديثة: صورة تم تداولها عبر الإنترنت تزعم أنها تظهر رئيس الوزراء المنتهية ولايته مارك كارني بحضور رجل الأعمال الأمريكي والمجرم الجنسي جيفري إبستين. ورغم أن الصورة مزيفة، فقد انتشرت على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي، موضحة كيف يمكن للمحتوى الذي يتم التلاعب به بواسطة التكنولوجيا أن يثير الشكوك حول شخصية سياسية.وفي تقرير نُشر عام 2021، حذر جهاز الاستخبارات والأمن الكندي (CSIS) الجمهور من استمرار وتطور محاولات التدخل، بدءًا من نشر المعلومات المضللة إلى التلاعب السري بالجهات الفاعلة السياسية أو المجتمعية.ويؤكد التقرير أن هذه التهديدات مستمرة وقابلة للتكيف وغالبا ما يصعب اكتشافها، مما يمثل تحديا كبيرا لحماية العمليات الديمقراطية الكندية.
وترتكز دراستنا على نشاط الروبوتات الاجتماعية خلال الحملة الانتخابية الكندية لعام 2019، إذ تم جمع البيانات من مصادر مفتوحة من قبل قسم الأمن السيبراني لشركة Commissionnaires du Québec. وعلى وجه التحديد، وباستخدام 48 علامة تصنيف كانت الأكثر شعبية خلال هذه الحملة الانتخابية، تمكن فريق الأمن السيبراني من جمع 4,184,599 تغريدة، أي ما يعادل 394,292 ملف تعريف مستخدم فريد.ولتحسين جودة التحليلات والتركيز على المستخدمين الذين شاركوا أكثر في المناقشة السياسية على X، ركز بحثنا على 19,596 ملفًا شخصيًا مسؤولًا عن 3,312,577 تغريدة نُشرت في أقل من سبعة أسابيع.
ولتحديد الروبوتات الاجتماعية بين المستخدمين، تم استخدام أداة تحليل من مرصد الشبكات الاجتماعية بجامعة إنديانا.وتمكنت الأداة من إعطاء درجة من 0 إلى 5 لكل من ملفات تعريف المستخدمين الـ 19,596 التي تمت دراستها (حيث يمثل الصفر على الأرجح إنسانًا وخمسة على الأرجح روبوتًا)..
وتشير النتائج الاستكشافية إلى أن 11,183 (68.24%) من الحسابات المعنية كانت على الأرجح بشرًا و577 (3.52%) من الحسابات كانت على الأرجح روبوتات اجتماعية. وبالتالي، فإن هؤلاء يمثلون أقلية صغيرة من المستخدمين بين الحسابات التي شاركت بشكل أكبر في أنشطة المنصة خلال فترة التجميع. ومن المثير للاهتمام بالمناسبة أن 87% (8,357) من هذه التغريدات هي في الواقع إعادة تغريد وليست منشورات أصلية. وتهدف الروبوتات الاجتماعية، من بين أمور أخرى، إلى خلق نفس الظاهرة التي يفسرها مفهوم غرف الصدى من خلال نشر ومشاركة المحتوى الذي يهدف إلى تقسيم الرأي العام فيما يتعلق بالحملة السياسية الجارية. وللقيام بذلك، سوف تقوم الروبوتات الاجتماعية بمشاركة محتوى سلبي واستفزازي ومقنع من أجل إقناع الأفراد بعدم التصويت لمرشح انتخابي. هذه التقنية، التي تشبه مبدأ التحضير الذي طورته كاثلين هول جاميسون، الأستاذة الأمريكية للاتصالات في جامعة بنسلفانيا، تُستخدم عندما يريد المرء إقناع فرد ما بشأن تصويته السياسي. وسيسعى هؤلاء الأفراد إلى زيادة الاهتمام الذي يوليه السكان للجوانب السلبية للمرشح للتأثير على تصورهم له. كل هذا بهدف التأثير على التصويت السياسي للمواطنين.
اليقظة المواطنية ضرورية
إن تأثير برامج التواصل الاجتماعي وحملات التضليل على العمليات الانتخابية يثير أسئلة ملحة بشأن مستقبل ديمقراطياتنا. وعلى الرغم من أن موضوعنا يشير إلى وجود منخفض نسبيًا لروبوتات التواصل الاجتماعي على X خلال الحملة الانتخابية الفيدرالية لعام 2019، فقد أصبح من الأهمية بمكان النظر في آليات لمواجهة هذه التهديدات بشكل فعال مع الحفاظ على حرية التعبير.
والواقع أن القضايا أصبحت أكثر تعقيداً مع التطور السريع للتكنولوجيات، مما يجعل استراتيجيات التلاعب بالمعلومات أكثر تعقيداً. وهذا لا يتطلب فقط تعزيز التعاون بين الحكومات والمنصات الرقمية وخبراء الأمن السيبراني، بل يتطلب أيضا زيادة الوعي بين المواطنين. كما إن ضمان إجراء انتخابات نزيهة وشفافة، مع اقتراب موعد الانتخابات الفيدرالية، سوف يتطلب يقظة جماعية وجهوداً مستدامة لتوقع وتحييد أشكال جديدة من التدخل السياسي.










