أيمن جزيني
فخري كريم "شخصيّة العام الإعلامية". بهذا تُوِّجت قمّة الإعلام العربي في دورتها الرابعة والعشرين، التي انعقدت في مدينة دبي بين 26 و28 أيّار الجاري، وتسلّم كريّم الجائزة من الشيخ منصور بن محمد بن راشد آل مكتوم، رئيس مجلس دبي للإعلام ورئيس اللجنة الأولمبية الوطنية، وذلك تقديراً لمسيرته الطويلة والغنيّة في خدمة الصحافة والدفاع عن حرّية التعبير.
لا شكّ أن تكريم رئيس مجلس إدارة مؤسّسة المدى للإعلام والثقافة والفنون، فخري كريم، ومنحه جائزة "شخصيّة العام الإعلامية" لفتة كريمة وبادرة تُقدّر. لكنّ كريم، شخصيّة الأعوام السابقة كلّها، إعلاميّاً وثقافيّاً وسياسيّاً، وليس شخصية هذا العام فحسب. فالرجل صاحب لمسات لا تخفى وأثر لا يزول في دنيا الإعلام والثقافة والفكر والسياسة في بلادنا من أقصاها إلى أقصاها. وما تقدير مسيرته الطويلة والوقوف تقديراً على إسهاماته في المشهد الإعلامي، إلّا محطة لا بدّ منها يرجو المرء أن تتكرّر كلّ حين.
منذ 60 عاماً وكريم يصدر الصحف والمجلّات والكتب والدراسات والأبحاث القيّمة ويعمل على ترجمة النفائس من كلّ ثقافة ولغة، ويندر أن تجد بين القرّاء في بلادنا من لم يقرأ أو يطّلع على الكثير منها.
لِما سبق، وللكثير غيره، تعرّض كريم طوال مسيرته لمحاولات اغتيال كثيرة لا تُعدّ ولا تحصى، بعضها عُرف وبعضها ظلّ طيّ الكتمان. ولا غرابة في الأمر. ففي بلاد تحجب العقل وتمنع التفكير وتنصب المتاريس في وجع الوعي والمعرفة، ممنوعة الكتب والكلمات والحروف المضيئة. كيف الحال إذاً مع ناشر وكاتب ومثقّف متنوّر ومناضل لا يتراجع عن موقف ولا يهادن أو يساوم؟
آخر محاولات الاغتيال كانت في شباط عام 2024. حينها، حالت دونَ اغتياله العنايةُ الإلهية وموكب حكوميّ كان يمرّ بالصدفة وسط بغداد. وفي التفاصيل أنّه بعدما شارك كريّم في ندوة حواريّة لرئيس الوزراء العراقي الأسبق حيدر العبادي، ضمن فعّاليّات معرض العراق الدولي للكتاب في بغداد، الذي تنظّمه وترعاه مؤسّسة "المدى للثقافة والفنون"، التي أسّسها كريم نفسه مطلع تسعينيات القرن الماضي، وبينما كان في طريقه إلى منزله في حيّ القادسية في بغداد، اعترضت طريقه سيّارة ترجّل منها مسلّحون وأطلقوا على سيّارته 11 رصاصةً لم تصبه أيّ منها، فنجا بأعجوبة.
لم تكن هذه هي المحاولة الأولى لاغتيال فخري كريم. فقد تعرّض لمحاولات اغتيال عدّة سابقاً، أبرزها في بيروت عام 1982، وسقط فيها مرافقه الشخصي، وفي أخرى أصيب أحد أصدقائه بجروح بليغة. وتعرّض لمحاولة اغتيال أخرى عن طريق القصف الجوّي في العراق. وفي العراق أيضاً تعرّض عام 2003، بعد عودته من المنفى، لأكثر من محاولة اغتيال نجا منها كلّها. ونجا في بغداد نفسها من قصف صاروخي استهدف مكتبه.
ما معنى تكريم فخري كريّم؟
تكريم فخري كريم، بالإضافة إلى كونه تكريماً لمكافح عتيق لا يكلّ ولا يملّ ومناضل عمره من عمر دولنا الحديثة، هو تكريم لثقافات وللإعلام مؤسّسةً مؤسّسةً، ومنصّةً منصّةً، ولدور النشر كتاباً كتاباً، ولمراكز الدراسات دراسةً دراسةً، وباحثاً باحثاً. هو أيضاً تكريم لعواصم الوطن العربي كلّها، ولبغداد أوّلاً وأخيراً، بـ"بغداد الشعراء والصور…"، بغداد التي تقرأ وبغداد التي تكتب وتنشر، بغداد المنصور والرشيد والمأمون ودار الحكمة، بغداد الجواهري والسيّاب والبيّاتي وجواد عليّ… واللائحة تطول.
أن يُكرَّم فخري كريم اليوم هو أن تمتدّ يد العون والخلاص والأخوّة والتقدير للعراق. العراق الذي قرأنا عنه في أمّهات الكتب. والعراق الذي يرصّع صفحات التاريخ وسماء الحضارات منذ فجر الإنسانية، ومنذ الشرائع الأولى شرائع حمورابي، ومنذ الملاحم الأولى، ملحمة جلجامش وأنكيدو… وصولاً إلى ملحمة حيّة اسمها فخري كريم.
تكريم فخري كريم اليوم تأكيد حازم أنّنا سنظلّ نقرأ ونكتب وننشر ونرقص ونغنّي… حتّى تعود بغداد ويعود العراق… ونعود معهما.










