متابعة / المدى
تشهد مؤسسات الدولة العراقية تزايدًا في طلبات الموظفين للحصول على ما يُعرف بـ«إجازة السنوات الخمس»، وهي إجازة طويلة الأمد تُمنح للموظف الحكومي مع احتفاظه براتبه الاسمي، ما يتيح له العمل في القطاع الخاص وتحسين وضعه المعيشي. وتختلف آليات منح هذه الإجازة بين الوزارات. فبينما تسهّل بعض الجهات إجراءات الموافقة، تفرض أخرى قيودًا تجعل الحصول عليها أمرًا معقدًا، بحسب الموظفين. ويُعد الدافع الأساسي للتقديم على هذه الإجازة، بحسب شهادات عدد منهم، هو العجز المالي، إذ لا يغطي الراتب الحكومي المتطلبات الأساسية للمعيشة. كما تُمنح الإجازة بشرط عدم حاجة المؤسسة لخدمات الموظف، وهو ما يكون متاحًا في وزارات تعاني من الترهل الوظيفي، ويُعد أكثر صعوبة في وزارات تعتمد على طواقمها كاملة كالصحة والتعليم العالي.
تحذيرات نيابية
عضو اللجنة المالية في مجلس النواب، جمال كوجر، حذّر في تصريح صحفي، من التداعيات السلبية لهذه الإجازات، موضحًا أنه «لا توجد إحصائيات دقيقة بعدد الموظفين المشمولين بها، وبالتالي من غير الممكن معرفة حجم التوفير الذي تحققه للخزينة العامة».
وأضاف أن الموظف الذي يعمل في القطاع الخاص أثناء الإجازة قد ينافس بشكل غير عادل أصحاب الحِرَف والعاطلين عن العمل، ما يؤدي إلى «ارتفاع غير مباشر في معدلات البطالة». وأشار كوجر إلى أن بعض الوزارات ترى في هذه الإجازات وسيلة لمعالجة الترهل الوظيفي، في حين ترفضها وزارات حيوية بسبب حاجتها لكوادرها، مضيفًا أن وزارتي الصحة والتعليم العالي «لا يمكنهما التفريط بكفاءاتهما». وكانت الحكومة قد فرضت في وقت سابق شروطًا صارمة، منها استرداد الرواتب في حال عدم إكمال مدة الإجازة، لكن مجلس النواب ألغى هذا الشرط في العام الماضي، ما زاد من الإقبال على الإجازة.
مخاطر على التوظيف
من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي علي دعدوش أن الإجازة «تُحدث ارتباكًا في بعض القطاعات المهمة مثل الطب والهندسة والتعليم، خصوصًا في المناطق المكتظة بالسكان». وأضاف أن النظام يوفر مبالغ كبيرة للدولة، موضحًا أن منح الإجازة لـ100 ألف موظف بمتوسط راتب شهري يبلغ 500 ألف دينار قد يؤدي إلى توفير نحو 600 مليار دينار سنويًا.
ويؤكد دعدوش أن إدخال موظفين ذوي خبرة إلى القطاع الخاص يمكن أن ينشّط الاقتصاد، لكنه بالمقابل «يقلص فرص العمل المتاحة للخريجين الجدد والعاطلين عن العمل». ورغم عدم توفر إحصائيات دقيقة عن عدد المستفيدين، إلا أن وزارة الصحة أعلنت عام 2023 عن منح الإجازة لأكثر من 2400 موظف من ملاكاتها.
عقبات قانونية وتجارب فردية
خالد محمد، موظف في وزارة الصحة، يقول إن الحصول على الإجازة في وزارته «شبه مستحيل» بسبب قلة الكوادر وارتباط العديد من الموظفين بقروض مصرفية تمنعهم من ترك وظائفهم.
وأوضح أن القانون لا يسمح بمن عليه قرض مصرفي بالحصول على الإجازة، مؤكدًا أن الموافقة على الطلب تتطلب دعمًا مباشرًا من المسؤول الإداري وإثباتًا بعدم حاجة المؤسسة لخدمات الموظف، وهو أمر نادر في وزارته. كما أشار إلى أن بعض الصيادلة وأطباء الأسنان يحصلون على الإجازة بسبب وفرة أعدادهم.
أما رسل حميد، وهي موظفة في إحدى الدوائر الحكومية، فتقول إنها بدأت إجازتها قبل عامين بسبب تدني راتبها الحكومي، وتضيف: «وجدت فرصة أفضل في القطاع الخاص، براتب أعلى وظروف معيشية أفضل، لذا قررت الاستفادة من الإجازة». وتتابع: «غالبية الموظفين باتوا يفكرون بالأمر ذاته، لا سيما بعد أن ضَمِنوا حقوقهم التقاعدية». بدوره، يروي إحسان عبد علي تجربته قائلاً إن الإجراءات كانت مرهقة، لكنه أصر على التقديم بسبب ظروفه المالية، مشيرًا إلى أنه يعمل حاليًا حدادًا بدخل يومي يتراوح بين 80 و100 ألف دينار، ما ساعده على سداد ديونه وشراء قطعة أرض. وفي منحى آخر، ترى بعض الموظفات أن الإجازة فرصة للتفرغ لشؤون الأسرة. فاطمة زاهر، موظفة حكومية، حصلت على الإجازة لرعاية طفلها، وتقول: «الكثير من الموظفات المتزوجات يفضلن الابتعاد عن ضغط العمل اليومي والتفرغ لأسرهن».