TOP

جريدة المدى > عام > المعمار ريكارو بوفيل

المعمار ريكارو بوفيل

شخصيات عرفتها أغْنتْ عصرنا

نشر في: 5 يونيو, 2025: 12:03 ص

بلقيس شرارة

كان ريكاود بوفيل Ricardo Bofill من المعماريين المهمين في عصرنا، جاء إلى بغداد بناء على دعوة رفعة الجادرجي الذي كان مستشار أمانة العاصمة في بغداد، والذي كلف آنذاك لإعادة تخطيط وبناء بغداد في عام 1982، حيث شارك في مسابقة الجامع الكبير في بغداد.
كان بوفيل من عائلة متوسطة، وكان والده مقاولاً وأيد الجمهوريين ضد فرانكو في أسبانيا. درس ريكاردو في برشلونة وأصبح شيوعياً وأضطر أن يكمل دراسته في سويسرا، وبعد وفاة والده، اصبح مسؤولاً عن مؤسسة العائلة، وضم مجموعة من الشباب الموهوبين من المهندسين المدنيين والمعماريين ومخططي المدن.
كُلف بوفيل من قبل الحكومة الأسبانية في تصميم أحد المشاريع، ولكن لم تدفع له أجوره، فطلب منهم بدل الأجور السايلوات المهملة في المنطقة الصناعية في بارشلونة، والتي كانت تحفظ بها الحبوب، فوافقوا على طلبه وحوّل السايلوات الثمانية في وسط المنطقة الصناعية في بارشلونة إلى مكتب ومكان اجتماع ومكتبة ومحل سكن له، وأحاطه بالحدائق.
وعندما سافرنا إلى أسبانيا في عام 1983، التقينا بزوجته سيرينا فركانو Serena Vergano، التي كانت تقوم بتصوير أعمال المكتب المعمارية آنذاك، لكنها كانت مطلقة، وتعيش مع أبنها في أحد السايلوات، قضينا اسبوعاً معهم، ونمنا في السايلو المخصص للضيوف.
شعر ريكاردو عندما التقى برفعة، بالتقارب الموجود بينهما في المفاهيم الفكرية والفلسفية التي تتعلق بوظيفة وتصميم العمارة، وهو مزج الماضي بالحاضر. كما كان معجباً بما توصل إليه رفعة من حلول المشاكل في العمارة في العراق، خاصة فيما يتعلق بحرارة المناخ ومن ثم معالجة هوية المحل.
لذا نجد في مشاريعه في الإسكان وتصميم الدور، قد مزج بين الشكل الهندسي بمرجع إلى عمارة البحر الأبيض المتوسط والعمارة العربية. إذ تطل اسبانيا على البحر الأبيض المتوسط وفي الوقت نفسه فإن العمارة متأثرة بعمارة البحر الأبيض المتوسط والعمارة العربية، عندما كان العرب في اسبانيا لمئات القرون. وقد اشتهر بمفهومه إلى الهندسة المعمارية ذات النطاق الحضري. الهدف منها معالجة قضايا سياسية واجتماعية في سياق أوسع. ومعظم المشاريع التي صممها كانت ذات علاقة بحركة ما بعد الحداثة. ويعتبر من بين المعماريين المهمين في القرن العشرين.
كما زرنا سوية اعمال المعمار الأسباني المتميز بعمارته، أنتوني كاودري Antoni Gaudi، الذي كان يؤمن بحرية الشكل والحسية في نسيج الألوان و الوحدة العضوية، التي استلهمها من الأشكال الطبيعية. فزرنا البناية المشهورة التي لم تكمل أثناء حياة المعمار كاودي، وهي الكنيسة المسماة Sagrada Famillia، وبعض اعماله في بارشلونة وخارجها. وكان كل من ريكاردو ورفعة من المعجبين بأعمال هذا المعمار.
وعندما كنا في برشلونة كان ريكاردو يتحدث عن سفره إلى صحراء الجزائر، وعن صمت الصحراء وجمالها، فقررنا انا ورفعة ان نرافقه في رحلته القادمة.
كان عددنا عشرة اشخاص، معظمهم من الذين يعملون معه في المكتب. وكانت بصحبتنا زوجته المطلقة، ورفيقته الفرنسية انبلا دهارت Annabelle d,Huart، التي كان له ولد منها أيضاً، واستغربت من تلك العلاقة الجيدة والإنسجام بين المرأتين، إذ انها علاقة نادرة في العالم، وخاصة في عالمنا العربي.
قضينا الليلة الأولى في عاصمة الجزائر وطرنا في اليوم التالي لمدة اربعة ساعات الى مدينة تمنراست Tamanrasset، التي تبعد عن العاصمة الفي كيلومتر، وهي عاصمة القهار، وموطن الطوارق. واشترينا الملابس المناسبة للصحراء، وأقمشة تُلف حول الرأس لتفادي هبوب الرمال الصحراوية أثناء السفر.
كان في انتظارنا في المطار اربعة سيارات (بيكب) قادرة على السير في الصحراء الوعرة، أحدها للمؤن مع طباخ، والثلاثة الأخرى لنا مع دليل. كانت المناظر رتيبة عندما بدأنا الرحلة، كل شيء هادئ لا نرى إلا اللون الأصفر، فالتراب أصفر، لكنه يختلف عن تراب الصحراء بين العراق وسوريا، فهو حبات خشنة وليست ناعمة كالتي تعودنا عليها. الصحراء شاسعة جميلة، لا نهاية لها، تتغير مناظرها بارتفاع الجبال الرملية والكهوف التي تتخللها.
كان ريكاردو ورفعة يجلسان بعد العشاء ويدور الحديث بينهما عن العمارة، إذ كان ريكارو مهتماً جداً فيما يتعلق بالعمارة، وعما توصل اليه رفعة من الناحية النظرية، فكان طيلة الفترة يوجه إليه الاسئلة المتعلقة بهذا الموضوع، وكان رفعة يؤمن ان تاريخ العمارة في جوهره تطور بين المطلب الاجتماعي والمرحلة التقنية للحقبة الزمنية المعينة، وحين تنشأ بناية معينة فالمطلب الإجتماعي لتلك البناية ينعت بالمحتوى، وله جانبان: المطلب المادي والمطلب العقائدي، ويرى ان تاريخ العمارة هو العملية المستمرة للتغيرات التي تأتي على المحتوى لكل نمط من أنماط الأبنية. وأثناء الحديث بينهما، كنت مع الآخرين من المستعمين طيلة المدة.
ثم زرنا بعض الكهوف المنتشرة في الصحراء التي تعود إلى ما قبل التاريخ. وكان سائقي السيارات في تلك الصحراء، عندهم نوع من الحدس عندما يشاهدون ضوءاً من بعيد في الليل، فباستطاعتهم أن يقدروا المسافة التي تبعد عنا من خلال قوة الضوء، إذ كانت المسافة ساعة أو ساعتين. وكنت اندهش من تلك الدقة.
قضينا عشرة أيام في صحراء الجزائر، وعدنا إلى بوسطن اثناء الخريف حيث تتغير اوراق الأشجاء وتصبح قطعة من الألوان يتشح بعضها بالأحمر والأصفر والبني ويصبح اللون الأخضر الطبيعي نادراً احيانا في الغابات في ولاية ماساشوست، لكن عندما كنا في الصحراء يشعر الإنسان بجمال الطبيعة من حيث سعة وعظمة الكون، وصغر الإنسان فيه.
والتقينا مرات عديدة في باريس في العام التالي، وقضينا وقتاً معاً بصحبة صديقته الفرنسية آنابل. ثم سافرنا إلى الولايات المتحدة، وقد زارنا في بوسطن عندما دعي من قبل جامعة هارفرد، لكن بمرور الوقت انقطعت العلاقة بيننا، ولم تستمر كما اسمرت بالمعمار الأمريكي روبرت فنتوري.
توفي ريكاردو بوفيل من مضاعفات اصيب بها من أثر مرض الكورونا بعد عامين من وفاة رفعة بنفس المرض.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

تحرك برلماني للوقوف على أسباب التلكؤ في شراء منظومات الدفاع الجوي

التصحر يزحف على 40% من أراضي العراق وذي قار تتحمّل العبء الأكبر

مجلس النواب يرفع جلسته التداولية

وزير الدفاع الإسرائيلي يحذر الخامنئي: مصيرك مشابه لصدام حسين

مسؤولون أميركيون: ترامب لا يؤيد تغيير النظام الإيراني

ملحق منارات

مقالات ذات صلة

مسرحيون: على الرغم من التأثر بالثقافات الغربية، حافظ المسرحيون العراقيون على خصوصيتهم الثقافية
عام

مسرحيون: على الرغم من التأثر بالثقافات الغربية، حافظ المسرحيون العراقيون على خصوصيتهم الثقافية

علاء المفرجي منذ بدايات القرن العشرين، بدأ المسرح العراقي يتأثر بالثقافات الغربية من خلال الترجمة والبعثات الدراسية. على سبيل المثال، سافر العديد من المسرحيين العراقيين إلى أوروبا وأمريكا لدراسة فنون المسرح، مثل إبراهيم جلال...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram