آفا نادر
في زمنٍ ندر فيه الثبات، وتستهلك فيه القيم كما تستهلك الشعارات بقي الاستاذ فخري كريم الرقم الثابت الذي لايقبل القسمة على احد !.
رغم كل التحولات السياسية، وتراجع القيم والعمل السياسي الأصيل، وتبدّل الوجوه، ظل الأستاذ فخري كريم وفيًّا لمبادئه، محافظًا على صوته العاقل والرصين، وعلى حضوره العميق في مشهدٍ بات لا يحتمل العمق.
أبارك لقمّة الإعلام العربي في دورتها الرابعة والعشرين، التي ينظمها نادي دبي للصحافة، اختيارها للأستاذ فخري كريم لنيل جائزة “شخصية العام” – تكريمٌ تأخر كثيرًا، لكنه جاء ليُعيد التقدير لقامة فكرية وثقافية وسياسية استثنائية، لا تُقاس بالألقاب بل بالأثر.
تشرفت بالعمل معه حين كان كبير مستشاري الرئيس الراحل جلال طالباني، وكنت حينها مساعدًا لمدير مكتب رئيس الجمهورية والديوان. رأيته عن قرب كما لا يراه كثيرون: رجل يملك قدرة نادرة على ربط غير المرتبط، وحلّ العقد المتصدعة، وقيادي جريء له القدرة على جلب أكثر الأفكار تشددًا إلى طاولة الحوار، دون أن يُغيّر لونه أو يتنازل عن جوهره.
ومن أبرز ما يميّزه كذلك براغماتيته النبيلة، التي مكّنته من تمرير كل ما هو إيجابي ويخدم قضية الإنسان، والثقافة، والعلم، والإبداع، دون أن يساوم على المبادئ أو يضعف أمام ضغوط اللحظة.
ومن إنجازاته الراسخة التي تستحق أن تُسجَّل في صفحات مضيئة من تاريخ العراق، إصراره على إبقاء معرض الكتاب في بغداد قائمًا، كمبادرة ثقافية وطنية جامعة، رغم كل القوى الظلامية والتطرف التي مر بها العراق. لم يتنازل يومًا عن هذه المبادرة، بل جعل منها مساحة حرة للحوار والانفتاح، بعيدة عن خوف السلاح، ومناهضة للعنف والانغلاق وضيق الأفق.
أكثر ما نحتاجه اليوم هو حضوره في مباحثات السلام، لسدّ الفجوات العميقة التي صنعها الفكر المتطرف، ولمواجهة أنظمة “اللا دولة” التي جعلت الإنسان يعيش في فراغ سياسي، لا يحفظ كرامته ولا يصون وجوده.
حين أراه اليوم يواصل العمل والتأثير بإيمان نادر بجدوى الكلمة، أقول بثقة: “لسّا الدنيا بخير.”
هو بحق “آخر البشوات”، رغم اشتراكيته، لا من حيث اللقب أو المظهر، بل بما يجسّده من رُقي في السلوك، وثبات في الموقف، وقدرة نادرة على البقاء والمثابرة والعمل الجاد في وجه كل ما يدعو للانكفاء أو الانسحاب.
كل التقدير والامتنان لأستاذ بحجم الوطن، وكل التهاني على تكريمٍ هو أقل مما يستحق.