طالب عبد العزيز
انتهى الزمن الذي كانت الصحافة تسقط فيه الحكومات، لا لأنَّ الحكومات كانت شريفة طبعاً، لكنْ لأنها كانت أكثر خوفاً من جماهيرها، وأقلَّ وضاعةً من حكومات الأزمنة الحديثة، التي تحكم شرقنا العربي اليوم، وذهب السنوات التي كانت توضع الجريدة فيه على مكاتب المسؤولين، وكانت أولَ ما يطالعه الحاكم، فهو يمسكها مرعوباً، من منشور ربما نشر ضده، وجاءت السنوات التي اختفت الجريدة فيه من مكاتب المسؤولين، ولم يعد الحاكم يقرأ فيها ما نشر لصالحه أو ضده، فهو يكتفي بما يسمعه من مستشاريه، أو بما يشاهده في شاشة هاتفه، لكنَّ اهتمامه الأكبر، والذي يعنيه، ويخصه أكثر هو اليوم الذي يمضيه على كرسيه، متنعماً بالمال والجاه والسلطة، ومن ثم التخطيط للإنتخابات القادمة التي سيفوز فيها بكل تأكيد.
ساهمت وسائط التواصل الحديثة بإيجاز ما يحتاجه المسؤول الحكومي من المعرفة والعلم في خططه وسياسته، ووجدَ في حاشيته والمحيطين- مجموعة الأغبياء والكذبة والمنافقين- به المشورةَ الناجعةَ، واكتفى بهاتين عن قراءة الصحف ومتابعة التقارير، ولم يعد بحاجة ماسة الى ما يؤشره سكرتيره الشخصي بالقلم الأحمر ما يجب قراءته والوقوف عنده، وهذه طبيعة الحكم اليوم في شرقنا العربي، فقد انتهى زمن جريدة الاهرام ومحمد حسنين هيكل ومن هم على الشاكلة تلك، وأصبحنا في زمن(علي وياك علي) مثلما أمسينا من قبل على صياح (بالروح بالدم نفديك ياصدام) وصار الحاكم لا يسمع ولا يرى شيئاً!
هل نعيب على الصحافة فعلها؟ وهل العيب في مجموعة الصحفيين، الذي لم يتركوا صغيرة لا كبيرة إلا وضعوها على مكتب المسؤول؛ قطعاً لا، فما نسمعه ونشاهده ونقرأه من الاخبار والتقارير التي تؤشر الخلل الحكومي والوضع الاقتصادي والأمني والاجتماعي يكفي بأن يسقط عشرات المسؤولين!! ترى أين الخلل، إذا أردنا تشخيصه؟ نحن نعتقد بأنَّ الأحزاب الدينية لا تتأثر بما ينشر، بل هي غير معنية بذلك تماماً، لأنها تجد في آليات العصر الحديث بما فيها الصحافة ووسائط التواصل مخالفة لشريعتها في الحكم، مع أنها استخدمت الانتخابات والديمقراطية في الوصول، وتبتدع عشرات الطرق غير الأخلاقية في البقاء.
يسرُّ أحدُ المنتمين الى إحدى الفصائل-غير المدرجة ضمن الحشد- صاحبَه قائلاً بأنَّ زعيمهم طلب منهم نقل بطاقة التصويت الانتخابي من العام الى الخاص، لضمان التصويت له، ثم يؤكد عليهم بوجوب تصوير البطاقة مع تأشيرة الانتخاب وإلّا!! هذه الديمقراطية التي يصرُّ الحاكم العربي على إدامتها، وهي بعلم وعناية الجميع، بمعنى أنَّ ما يؤشر ويسمع ويقرأ ويشاهد على شاشات هواتف المسؤولين مجزٍ لتأشير الخطأ والأداء الحكومي، وهي مع ما يكتب في الصحافة من تقارير وأخبار يومياً مجزية وأكثر في التأشير وضامنة لتعديل المسارات الخاطئة وبلوغ الحقائق وتصويبها إن شاءت الحكومة ذلك، لكنها لا تريد!. هل نقول بأنَّ الخجل والحياء والصدق والوفاء والوطنية ووو مفردات لم تعد مستعملة في الوجدان العربي الحاكم؟ نعم. لكنَّ الخراب بلغ حدوده القصوى يا ناس، وهو ينتشر مثل الوباء، والعدوى واضحة في كل مكان، إذْ لم يعد هناك مفصل واحد في الدولة لم تدخله جرثومة الفساد، وهناك خطر حقيقي يداهم الناس والبلاد، ولن يقتصر على طائفة بعينها، نحن في سفينة واحدة، اسمها البلاد، وسط بحر لجيٍّ، إن عصفت العاصفة ستغرقنا جميعاً.
يقول شرطيٌّ بأنّه ومجموعة معه من الشرطة كانوا قد داهوا منزلاً لتاجر مخدرات، وحين واجههم كان يحملُ رمانةً يدويةً، نزع عنها مسمارها الأمان ثم أنه صاح بهم: ليتقدّم أحدٌ لي، هيّا تقدموا، وصار يسخر منا... فتركناه!! نعم يتركونه، لأنهم يعلمون بأنه يفعلها، فهو تحت تأثير المخدر ما يزال، وإذا ما تم الإمساك به فسيخرج بعفو، وإن قتلوه ستلاحقهم عشيرته، وإنْ تأكد القضاء بأنه يتاجر بالمخدرات فستأتي جهة حزبية- عشائرية- دينية وتصل بالقاضي، بالضغط أو بالمال، نعم القاضي، وسيغير فقرة الإدانة من المتاجرة بالمخدرات الى التعاطي، وهكذا سيخسر الشرطي حياته. هل في العراق من لم يسمع ويقرأ ويشاهد وقائع كهذه وأكبر وأخطر؟