متلبعة المدى
لا يتضح للمؤلِّف عنوان القطعة الموسيقية إلا لاحقًا، وهو اتضاحٌ يشبه تمامًا اتضاحَ بناء الجملة الموسيقية. يبدأ العنوان في التشكل منذ اللحظات الأولى، ولكنه تشكُّلٌ لا يتجسد على شكل كلمات أو نص، غير أنه محسوس في ذات الفنان وفي أعماقه وهو الذي يلتقط الإيحاءات ويوجها نحو الفكرة الأساسية. مع مسار العمل الذي ينبني شيئًا فشيئًا، ربما يتغير العنوان بعض الشيء، لكنه يثبت في النهاية مع إكتمال وثبوت العمل.
في كثيرٍ من الأحيان يقترح الأصدقاء المقربون من الأدباء والفنانين الذين يمكن أن يحرص المؤلف على الاستئناس بآرائهم وأذواقهم، عناوينَ أخرى هي مختلفة عن بعضها في الكلمات، لكنها تلامس مضمون العمل وتعبر عنه، مما يؤدي إلى وضع الفنان أمام خيارات أوسع فيجري نقاشٌ للوصول إلى أفضل التسميات للقطع الموسيقية.
بعد ذلك يبدأ التفكير في تسمية الأسطوانة كوحدة واحدة. إن بناء الإسطوانة برمّتها يوحي في كثير من الأحيان، ومن خلال محطات العمل في كل قطعة، بعنوانٍ ما. أحيانًا تأخذ الأسطوانة عنوان إحدى القطع، ربما لأهميتها أو لخصوصية ما كامنة في القطعة ذاتها، أو أن عنوانها يصلح أن يُعمَّم على الأسطوانة من الناحية التعبيرية. ولكن هذا الاختيار يحتاج إلى الدقة في سبيل الإيحاء والإشارة الى محتوى الأسطوانة والدلالة على أهميتها الفنية بكلمات مقتضَبة، وقد تُسبب عملية الاختيار هذه قلقًا للفنان يتطلب منه أن يبذلَ جَهْدًا للتغلب عليه.
في حالة أخرى ينطلق التأليف من فكرة جنينية يُبنى عليها العمل موسيقيًّا فيستمر البناء حتى يُصبحَ في أعلى مستوى من الإتقان ليظهر عنوان القطعة الموسيقية من روح الفكرة نفسها، وهذا النمط في التأليف يسمى "الفكرة المسبقة في البناء التأليفي".