د. عبير محمد
في زمن باتت فيه الإجراءات الإدارية أقرب إلى اختبار صبر لا نهاية له، حيث توضع المعاملات في رفوف مزدحمة، وتُقرأ القوانين بأمزجة لا وفق النصوص، وتصبح أبسط الاستحقاقات أشبه بمعركة بيروقراطية.. أن تصادف بعضاً في دائرة حكومية يقوم بواجبه بإخلاص واحتراماً لمراجعيه. يعمل بمهنية وإنسانية، وبلا عقد نفسية، فتلك مفارقة تستحق التأمل، وربما التصفيق.
في قسم الترقيات العلمية بجامعة بغداد، لا يطالعك ذلك الوجه العبوس المعتاد، بل تستقبلك المديرة، وهي سيدة هادئة، وجميلة بطريقة لها علاقة بالمظهر والحضور. حضور امرأة إدارية تفهم القانون وتحترمه، لكنها تفهم المراجع حامل الحاجة، ولا تتغاضى أو تتغافل عن ما يحمله من همٍ مكبوت تجد انعكاسه في ملفه.
يقف الى جانبها نائبها الإداري، رجل يبدو وكأنه اختار التصالح لا التصارع، يتعامل مع أصحاب الطلبات لا كمتهمين، بل كمستحقين، يسعون لأبسط حقوقهم بالتقييم العادل. لا يتحامل، ولا يبحث عن زلّة، بل يقرأ ويعيد القراءة. وإن وجد ثغرة، شرحها بهدوء لا بتشفٍ. هذا السلوك في بيئة جامعية حكومية لا يمكن وصفه على أنه ميزة، لكنه نادرة من النوادر!
وما إن تغادر تلك الغرفة المكتظة بالأوراق والمزدحمة بحركة المراجعين حتى تمر على وجه رصين آخر، السكرتير. ذلك الشابٌ لا يراك عبئًا، بل ضيفًا صاحب حاجة. يبتسم، ينصت، وربما يواسيك إن شعر بهمّك. في بيئة طاردة للبسمة، يذكرك بأصول العمل الإداري، وان التعامل يمكن أن يكون إنسانيًا دون أن يفقد جديته!
لا يخفى على أحد أن ملف الترقيات العلمية ليس بسيطًا. هو خريطة متفرعة من التعليمات، والتأويلات، والقراءات المتباينة للنصوص نفسها. من يتقن القراءة الدقيقة والنية السليمة، والأسلوب الرصين، يصبح رافعة لصاحب الطلب، لا خانقة له، في زمن تهيمن فيه العرقلة والمماطلة ووضع “العقد بالمنشار”،.
جامعة بغداد، بقسمها الإداري هذا، تعطينا لمحة عن ما يمكن أن يكون عليه الجهاز الإداري لو تُرك للمهنيين الكفوئين، لا المتصيدين الغارقين في الروتين.










