علاء المفرجي
تيارات السينمائية تلعب دورًا حيويًا في فن السينما لأنها تعكس تطور الأفكار، الثقافة، والقضايا الاجتماعية والسياسية في فترات زمنية معينة، مما يجعل السينما أكثر من مجرد ترفيه، بل أداة فنية واجتماعية ذات تأثير عميق.
وأهمية التيارات السينمائية في فن السينما، أنها تعكس الواقع والتاريخ: التيارات السينمائية تعكس الواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي، مثل الواقعية الإيطالية الجديدة التي صورت الفقر والمعاناة بعد الحرب العالمية الثانية، أو الموجة الجديدة الفرنسية التي جددت أساليب السرد السينمائي.
وتسهم في تطوير لغة السينما، حيث أن التيارات السينمائية تقدم تقنيات وأساليب جديدة في التصوير، المونتاج، والإخراج، مثل المدرسة الألمانية التعبيرية التي استخدمت الإضاءة والتكوينات الغريبة، أو المونتاج السوفيتي الذي ابتكر تقنيات تحرير متقدمة.
وتعتبر أيضا أداة للنضال والتغيير فبعض التيارات مثل "السينما الثالثة" التي نشأت كرد فعل ضد أفلام هوليوود، استخدمت السينما كوسيلة للنضال ضد الاستعمار والفساد، وللتعبير عن القضايا الإنسانية والسياسية. كذلك في تشكيل الوعي والرأي العام فالسينما ليست فقط وسيلة ترفيه، بل أداة سياسية واجتماعية تؤثر في تشكيل الرأي العام وبناء الصور النمطية، حيث يمكن أن تكون خطابًا سياسيًا قويًا يؤثر في القيم والمعتقدات. أضافة الى تجديد الفن السينمائي فالتيارات السينمائية تساهم في تجديد الفن السينمائي، وتقديم بدائل إبداعية للأشكال التقليدية، مما يجعل السينما حراكًا إبداعيًا موازياً للفنون الأخرى، بل وأحيانًا بديلاً ومكملاً لها، والسينما غنية بالتيارات والمدارس التي شكلت تطورها الفني والفكري، وامتدت جذورها منذ بداية القرن العشرين، حيث كانت السينما في البداية تقنية عرض تصويري تطورت لاحقًا إلى فن قائم بذاته.
وتكاد تكون المدرسة التعبيرية الألمانية (1919-1933) أهم التيارات السينمائية عبر التاريخ حيث تعد أول التيارات السينمائية الكبرى، وتعكس النفسية الجماعية الألمانية بعد الحرب العالمية الأولى، وتتميز باستخدام المؤثرات البصرية الغريبة والتصوير المظلم لتعبر عن الصراعات النفسية والاجتماعية، ومن أشهر أفلامها "مقصورة الدكتور كاليغاري".
والسينما الانطباعية الفرنسية (1920): استوحيت من الحركة الانطباعية في الفن التشكيلي، وركزت على الجوانب النفسية المظلمة للنفس البشرية، وابتكرت أساليب مونتاج غير خطي وحركات كاميرا جديدة، مما أثر بشكل كبير على السينما الصامتة. والواقعية الإيطالية الجديدة (1940s): ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية، وركزت على تصوير الواقع الاجتماعي والإنساني بإخلاص، مع تصوير في الأماكن الطبيعية واستخدام ممثلين غير محترفين، مثل فيلم "سارق الدراجة". السينما الثورية السوفيتية: التي جمعت بين النظرية والتطبيق، وركزت على استخدام المونتاج كأداة سردية قوية، وكان لها تأثير كبير على تطور السينما العالمية.
الموجة الجديدة الفرنسية (1950 - 1960 ) والتي تميزت بتجديد الأساليب السينمائية وظهور نظرية "سينما المؤلف" التي ترى أن المخرج هو الكاتب الحقيقي للفيلم، كما أفرزت تيار "السينما المباشرة" أو "سينما الحقيقة" التي تهدف إلى تصوير الواقع بصدق.
والسينما السياسية والاجتماعية: في فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وغيرها، حيث اتجهت السينما إلى معالجة القضايا الاجتماعية والسياسية بواقعية ونقدية، مثل الواقعية الاجتماعية البريطانية التي انتقدت الحياة المصطنعة في السينما الهوليودية. إضافة الى تيار الدوغما (1995) وهو حركة سينمائية دنماركية ظهرت في منتصف التسعينيات، وتهدف إلى إعادة السينما إلى جذورها البسيطة والتخلص من المؤثرات البصرية الخاصة والتحسينات الباهظة. يركز تيّار دوغما 95 على القصة والأداء التمثيلي، بدلاً من الاعتماد على التكنولوجيا المفرطة.
هذه التيارات والمدارس السينمائية لم تكن فقط تعبيرًا فنيًا، بل كانت أيضًا ردود فعل على الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لكل فترة، مما جعل السينما أداة تعبير ثقافي وإنساني عميق، متفاعلة مع الواقع ومتغيرة معه.
باختصار، تاريخ التيارات السينمائية هو تاريخ تطور الفن السينمائي من تقنية عرض إلى فن راقٍ يعكس الواقع الإنساني والاجتماعي، ويجسد الصراعات الفكرية والجمالية عبر العصور.