الكتاب: فيتنامريكا المؤلف: جي بي تران العرض ترجمة: هاجر العاني أين تنتهي الذاكرة وتبدأ الخرافة؟ رواية جي بي تران النابضة بالحياة " فيتنامريكا": رحلة عائلة تشغل المنطقة الوسط الفوضوية الخاصة بذلك الموضوع. وحيث انه ولد عام 1976 في كارولينا الجنوبية انفصل تران بحكم الزمن والجغرافية عن الجذور الفيتنامية لعائلته، فقد غادر والداه فيتنام مع طفليهما قبل ثلاثة ايام من سقوط سايغون عام 1975..
اذاً يكون ابنهما المولود في أمريكا انساناً بين ثقافتين وبلا خبرة بما خلـَّــفه والداه وأخويه، فكيف يوفق بين الأمرين؟ كيف يصل الى فهم الحاضر من خلال مصفاة الماضي؟ تسعى "فيتنامريكا" الى تتبع تلك العملية، وكما يشير تران في مطلع الكتاب مقتبساً من كونفوشيوس "انسان بلا تاريخ كشجرة بلا جذور". ومزيج القصص الهزلية المصورة مع السيرة يرقى الى سبعينات القرن الماضي على الأقل، عندما نشر هارفي بيكار أول قصصه والمعنونة "اميركان سبليندر –السناء الأمريكي " وأخرج ويل إيسنر عمله المعنون "عقد مع الله"، وفي عقود من الزمان مذاك أصبحت بعض اقوى وسائل اختبار النوع الأدبي (أصبحت) أكثر أعمال النوع الأدبي شخصية ً منها على سبيل المثال عمل آرت سبيغلمان المعنون "موس" والذي فاز بجائزة بوليتزر للادب لاستحضاره للهولوكوست وعمل مرجانة ساترابي المعنون "بيرسيبوليس" بوصفها للحياة في ايران في اعقاب الثورة الإيرانية. ولدى "فيتنامريكا" ذات المفاهيم مغيرة اتجاهها بين الوقت الحاضر ومنتصف القرن الماضي منتقلة ً بين اجيال العائلة فيما تتجه من جنوب شرق آسيا الى الولايات المتحدة والعودة الى آسيا ثانية ً. انها مقاربة معقدة وكمثل سبيغلمان وسترابي، يتصور تران نفسه كمرشد، اذ يكتب " لقد كانت صدفة غريبة فوالدة أمي ووالد أبي – آخر جدين أحياء من اجدادي – يتوفى احدهما خلال بضعة اشهر من وفاة الآخر". وما يعقــِّــد قصة تران هي فيتنام – وهي بلد حيث يبقى القرار محيـِّـراً الى يومنا هذا- تأمل جد تران – وهو شيوعي رفيع الدرجة في الحزب تخلى عن أسرته من اجل الثورة – فقط ليرى زوجته تعاشر كولونيلاً (عقيداً) فرنسياً، وعندما يتم استهداف الكولونيل لاغتياله يتدخل هو، وهو يجادل قائلاً "بموته مـَـنْ سيربي أولادي؟" وهنا يلقي تران الضوء على ترابط المجتمع الأكثر انقساماً تماماً، ويقول لنا " الأفراد ينحازون أما العوائل فلا تفعل ذلك". وثمة امر باعث على الأمل أساساً بشأن تصريح كهذا مع ضمانه بأن الدم أكثف من السياسة، ومع ذلك وفيما يتقدم سير رواية "فيتنامريكا" تصبح القصة مشوَّشة، إذ ان الحياة نادراً ما تكون واضحة، وجزء من المشكلة يكمن في ان تلك العوائل تتخذ قرارات مؤلمة طوال الوقت وقصة تران تبين ذلك في كل منعطف تقريباً، فيشير إلى " هربت ماما وبابا من فيتنام للحفاظ على عقد العائلة من ان ينفرط ولو لم يفعلا ذلك لانتهى مصير ابي الى معسكر عمل بالسخرة ولرفضوا ان تعمل امي ولأٌجبـــِرَت على الكدح في فقر ولنزلت أخواتي وأخي الى منزلة شحاذي شوارع... كيف لي ان اعرف ان كنت أصلاً سأولد ام لا"؟ ومع هذا بقدر ضرورة الأمر، فــإن مغادرة والديه شطرت العائلة ايضاً وفصلتهم عن تراثهم، وحينما حضر تران في عام 2006 الحفل التأبيني لذكرى وفاة جدته كانت تلك المرة الأولى التي التقى فيها بالكثير من اقربائه، وهو يبدي ملاحظة فيقول "أحياناً يعني فعل الأمر الصحيح ترك الأمور وراء ظهرك". وهذا صحيح بالطبع إلا انه يؤشر كذلك معضلة اكبر مع "فيتنامريكا"، فتران ببساطة عاجز عن انجاز الوفاق الذي يطمح إليه الكتاب، وككل الحكايات الشخصية تعتمد حكايته على تذكـّر الأحداث الماضية – ولكن تذكـّر أحداث الآخرين أكثر من أحداثه – وتبقى حياته إلى حد كبير في الخلفية باستثناء تقاطعها مع تجربة العائلة في فيتنام. وللتلميح الى سلاسة هذه الذكريات رتب الكتاب كنسيج مزدان بالصور تتمعج فيه خيوط شتى القصص مع بعضها البعض في خليط يقصد ان يكون بنفس سلاسة الذاكرة، ومع ذلك غالباً جداً ما يكون الأشخاص والمواقف مقولبين في مشاهد مسرحية هزلية وهي صعوبة تمتد الى المـُـعينات البصرية للكتاب أيضاً، فأسلوب رسم تران فضفاض أكثر مما ينبغي، وليس محدداً بما فيه الكفاية مع بضعة تفاصيل تعريفية لينفخ الروح في شخصياته بشكل حقيقي، وهذا الأمر مقروناً بميل حكاياته الى النزيف يخلفوننا مع كتاب يبعث على شعورنا بأن نهايته مفتوحة بشكل غير مريح فلا هو محدد بما يكفي بالنسبة لذكرى ولا هو متمدد بما يكفي بالنسبة لخرافة. وذلك – لنكون منصفين – قد يكون امراً لا مفر منه بسبب سيف الهجرة ذي الحدين، إذ يعترف تران " إحجام عائلتي عن تشاطر الحقائق الاكثر اساسية كان امراً يــُـلامون عليه بقدر لومهم على العقود التي قضيتها من عمري في اللامبالاة وتبلد الشعور"، ومع هذا فذلك هو التحدي، الضرورة، للتاريخ الشخصي وذلك لردم هوة الزمن والمسافة بسبب الهجرة، او كما يصوغ تران الامر مستشهداً بمثل فيتنامي قديم:"آباؤنا يعنون بنا عندما تنبت
مؤلف معزول عن الزمن
نشر في: 28 فبراير, 2011: 04:50 م