TOP

جريدة المدى > محليات > ميسان تستهلك مياه "غير صالحة للبشر والحيوان"!

ميسان تستهلك مياه "غير صالحة للبشر والحيوان"!

تحت خط العطش

نشر في: 16 يونيو, 2025: 12:03 ص

 بغداد – تبارك عبد المجيد

"وصلنا إلى مرحلة نشتري فيها الماء حتى لماشيتنا"، بهذه العبارة لخص مواطنون في ميسان حجم الكارثة البيئية التي تعيشها المحافظة. ففي ظل الجفاف وتزايد التلوث، لم تعد مياه الأنهار صالحة لا للشرب ولا للزراعة، ولا حتى لسقي الحيوانات، ما يعكس تدهور خطير في منظومة المياه يهدد صحة الإنسان والحيوان والنظام البيئي

قال أحمد صالح نعمة إن "شبح تلوث المياه يلوح في الأفق كلما واجهت محافظة ميسان موجة جفاف، وهو ما يحدث الآن فعلياً في عام 2025، حيث تعاني المحافظة من نقص كبير في الموارد المائية، ما أدى إلى ارتفاع تركيز الملوحة والمواد السامة في مجرى النهر، بالإضافة إلى الملوثات الناتجة عن تصريف مياه الصرف الصحي من قبل وزارة البلديات والإسكان".
وأضاف لـ(المدى)، أن "هذه الأزمة دفعت الجهات المعنية إلى اتخاذ بعض الخطوات للتقليل من التلوث، من بينها الشراكة مع منظمة الغذاء العالمي أحد برامجها لتنفيذ مشروعين حيويين يهدفان إلى تنقية مياه الصرف الصحي وجعلها صالحة للاستخدام الزراعي بدلاً من هدرها".
وتابع قائلاً: "تقوم هذه المشاريع على معالجة المياه بطريقة بيولوجية، حيث تُعاد المياه بعد تنقيتها إلى الأنهار أو تستخدم مباشرة في الري، مما يقلل من مستويات التلوث ويمنع تراكم السموم في البيئة".
وأوضح صالح أن "هناك مشاريع تحلية نشطة في بعض القرى مثل قرية العفرة، حيث يجري استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة لأغراض الزراعة، بالإضافة إلى مشروع مشابه في قرية أبو شوت ".
وتابع الحديث بالاشارة إلى مشروع مستقبلي مهم، قائلاً: "من المؤمل أن يتم توجيه مياه الصرف الصحي المعالجة نحو المكامن النفطية لاستخدامها في عمليات الحقن، بديلاً عن المياه الصالحة للشرب التي تُسحب من النهر، مما يمثل خطوة ذكية في تقليل الضغط على مصادر المياه العذبة".
ولفت نعمة إلى أن وزارة الموارد المائية أطلقت مؤخراً موجات مائية من سدة الكوت باتجاه البصرة مروراً بميسان، في محاولة مؤقتة لدفع اللسان الملحي بشط العرب. وقال إن "هذا الإجراء، رغم أهميته، يبقى حلاً وقتياً، والحل الجذري يتمثل في التوصل إلى اتفاقات ملزمة مع تركيا لضمان إطلاقات مائية عادلة".
من جانبه، ذكر منتظر السيد نور، مستشار لجنة الخدمات العامة في مجلس محافظة ميسان، إن "وضع المياه في المحافظة خلال المدة الماضية كان سيئ، نتيجة قلة الإطلاقات المائية في نهر دجلة المار في ميسان، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات التلوث الناتجة عن تصريف محطات الصرف الصحي لمياهها دون معالجة مباشرة في مجرى النهر". وأوضح أن "هذه المشكلة تتفاقم بسبب مياه المبازل الزراعية التي تحمل مركبات الأسمدة الكيميائية، ما يؤدي إلى زيادة نسب الأيونات الملوثة للماء، فضلاً عن تصريف مياه بحيرات تربية الأسماك، والتي تحتوي على الأملاح ومخلفات العلف البروتيني، مسببة ارتفاع في معدلات العكورة، الأمر الذي يعزز نمو أنواع متعددة من الطحالب في المياه".
وأشار السيد نور إلى أنه تم تحديد 6 أنواع من الطحالب في مياه نهر دجلة، من بينها الطحالب الخضر المزرقة، التي تعد من الأنواع التي تفرز سموم في المياه، إضافة إلى الطحالب الخيطية التي تسببت بتعطل فلاتر المياه المنزلية، وخصوصاً في نهاية العام الماضي.
وتابع أن "معدلات المواد الصلبة الذائبة المعروفة بـ TDS كانت مرتفعة جداً، لافتاً إلى أنها بلغت في نهر المشرح قرابة 4000 ملغم/لتر، وفي بقية الأنهر الفرعية لم تنخفض عن 2500 ملغم/لتر، مثلما هو الحال في ناحيتي السلام وقضاء الميمونة، رغم أن المعدل الطبيعي كحد أعلى يجب ألا يتجاوز 1000 ملغم/لتر.
وأضاف أن "هذه النسب المرتفعة جعلت المياه المجهزة لمنازل المواطنين تتجاوز المحددات البيئية والصحية النافذة، وبالتالي فهي غير صالحة للشرب"، مشيراً إلى أن "بعض القرى الواقعة عند ذنائب الأنهر الفرعية وصلت بها نسب الملوحة إلى أكثر من 4000 ملغم/لتر، ما جعل المياه هناك غير صالحة حتى لشرب الحيوانات". وأوضح أن الأهالي باتوا مضطرين لشراء مياه معالجة "ارو" من أجل سقي ماشيتهم".
وبين السيد نور أن الإطلاقات المائية الأخيرة، والتي تسببت بارتفاع مناسيب نهر دجلة في ميسان، لم تكن لمعالجة التلوث، بل جاءت بدافع دفع اللسان الملحي في شط العرب بمحافظة البصرة. وأضاف أن هذا الارتفاع في المناسيب اقتصر على مجرى النهر الرئيسي فقط، في حين لم يتم تصريف كميات كافية من المياه باتجاه الأنهر الفرعية أو الأهوار، وبالتالي فإن قلة التلوث في مجرى النهر الرئيسي كانت نتيجة عرضية، بينما استمر التلوث في الأنهر الفرعية دون تغيير، وخصوصاً في قضاءي الميمونة والسلام، حيث لا تزال محطة مجاري البتيرة تقوم بتصريف مياه المجاري دون معالجة.
وفي سياق حديثه عن محطات الصرف الصحي في ميسان، أكد أن 5 من أصل 8 محطات تقوم بإلقاء المياه الثقيلة إلى مجاري الأنهار من دون أية معالجة، وهذه المحطات هي البتيرة وقلعة صالح الأولى والثانية والعزير، بالإضافة إلى محطة طريق عمارة–كحلاء، وهو ما يساهم في تفاقم مستويات التلوث وانتشاره في مجمل النظام المائي للمحافظة.
وأشار السيد نور إلى أن الجهاز المركزي للإحصاء كشف من خلال إحصائياته أن 85% من عينات المياه المسحوبة من منازل المواطنين في ميسان قد فشلت في الفحص البكتريولوجي، ما يؤكد خطورة المياه التي تصل إلى المنازل وعدم صلاحيتها للاستهلاك البشري. وأردف قائلاً إن المعالجات التي جرت حتى الآن لا يمكن اعتبارها حقيقية أو جذرية، بل إن الأمر يقتصر على ضخ المياه من النهر إلى المنازل دون معالجة أو تنقية، وهو ما يجعل الوضع خطير ويتطلب تدخلاً فورياً.
ولفت إلى أن غياب التخصيصات المالية وافتقار المشاريع للموازنات اللازمة، حالا دون تنفيذ خطط لمعالجة مياه المبازل الزراعية ومياه الصرف الصحي، وهو ما يعكس تقصيراً حكومياً واضحاً على مستوى المحافظة. كما أوضح أن بغداد تعد الملوث الأكبر لمياه نهر دجلة، حيث تُلقي يومياً ما يقارب 700 ألف متر مكعب من مياه الصرف الصحي غير المعالجة إلى النهر، مضيفاً أن مجاري ناحية شيخ سعد في محافظة واسط تسهم أيضاً في تلويث مياه دجلة، إذ تقوم هي الأخرى بتصريف المياه الثقيلة دون معالجة.
وأكد أن الحلول الممكنة تبدأ بمنع الملوثات من الوصول إلى الأنهار، وإنشاء محطات تنقية وتحلية مياه تضمن توفير مياه صالحة للشرب للمواطنين، إلى جانب ضرورة أن تتبنى الدولة سياسة مائية واضحة تقوم على الاقتصاد في استخدام المياه ومنع إهدارها، إضافة إلى إيجاد حلول عملية لمشكلة اللسان الملحي في شط العرب بمحافظة البصرة. وختم بالقول إن من الضروري أن يتحرك العراق باتجاه عقد اتفاقية مائية واضحة مع تركيا تضمن له حصة عادلة وثابتة من مياه نهري دجلة والفرات، خاصة أن مثل هذه الاتفاقية لا تزال غائبة حتى اليوم، رغم تصاعد أزمة المياه داخلياً عاماً بعد عام.
وتصف الناشطة من محافظة ميسان، كحلاء نوري الوضع البيئي بأنه "كارثي"، نتيجة تراكم عوامل بشرية وبيئية أضرت بالصحة العامة والنظام البيئي. وتصف نوري لـ "المدى"، إننا "وصلنا إلى مرحلة نشتري فيها الماء حتى لماشيتنا".
وذكرت ان أحد أبرز أسباب التلوث هو تصريف النفايات السائلة والصلبة من بعض المستشفيات والمعامل مباشرة في الأنهار دون معالجة، ما يؤدي إلى انتشار أمراض جلدية ومعوية، ويهدد التنوع البيولوجي.
وتشير إلى أن انخفاض الإطلاقات المائية فاقم الأزمة، حيث أدى تراجع الحصص المائية وضعف إدارة الموارد إلى انخفاض منسوب المياه، ما زاد من تركيز الملوثات وأضعف قدرة الأنهار على التجدد الطبيعي.
كما يُعد الصرف الصحي غير المعالج عامل خطير، إذ تصب مياه المجاري في الأنهار مباشرة، مما يؤدي إلى تلوث عضوي واسع، تكاثر الطحالب، وتدهور جودة المياه.
وتؤكد نوري أن الآثار الصحية والبيئية خطيرة، وتشمل نفوق الأسماك، اختفاء أنواع محلية، انتشار أمراض كالإسهال والتسمم، وتضرر الزراعة نتيجة استخدام مياه ملوثة في الري.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق عراقيون

مقالات ذات صلة

ذي قار تسعى لإحياء 30 دونماً من الغابات المتضررة من الحريق
محليات

ذي قار تسعى لإحياء 30 دونماً من الغابات المتضررة من الحريق

 ذي قار / حسين العامل   أعلنت إدارة مشروع تثبيت الكثبان الرملية في محافظة ذي قار عن مساعٍ لإعادة إحياء نحو 30 دونماً من أشجار الغابات التي تعرضت للحريق مطلع أيار الماضي، مؤكدة...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram