د. أثير ناظم الجاسور
لكل إنسان الحق في ان يتبنى فكرا يرى أنه يتناسب ومدركاته الفكرية والعقلية وما يعتقد هذا بالإضافة إلى ما تفرضه البيئة التي نشأ فيها وما توارثه من افكار ومعتقدات اسرية جماعاتية الخ. .. من المتبنيات، ايضا تلعب مساحة الوعي الفكري في عملية دفع الأفكار بتنسيق معين بالقدر الذي تؤثر فيه على الاخرين والنابع من وجود تأسيس فكري لها بعيدا عن الفوضوية والعبثية في اطلاقها، وساهمت العديد من المدارس الفكرية وايضا المفكرين من نشر الفكرة والمعتقد الفكري ضمن آليات عقلية تختص بعملية تشكيل العقل الانساني بما يتلائم وطرح مجموعة من التصورات التي تساعد على تكوين مشروع انساني كأن يكون اسلوب حياة أو عقداً اجتماعياً، بالمحصلة يضمن حياة سياسية- اجتماعية كريمة تحفظ للإنسان كرامته وتكون ضمن محركات الحياة الطبيعية، كلها بالضرورة متبنيات أساسية تلعب دور في بلورة وتحديد المسارات الحياتية بمختلف التفاصيل لاسيما تفاصيل التقارب الانساني وسلامه وفق شروط عقلية علمية تعمل وفق الممكنات الادراكية لا وفق السلوكيات الغريزية التي تتحدد من خلال التكوين البشري وممارساته.
يلعب التقارب البشري دوراً كبيراً في خلق مساحات عظيمة في فهم اسلوب الحياة وفق اجراءات سليمة بالضرورة تكون خالية من سلبيات التدخل الفكري الضار، وهذا ناتج تفاعل بشري تُحدده مستويات التفكير التي بالضرورة تتأثر بمخرجات تلك المدارس، مثلاً الفارابي يؤكد على إن الإنسان مدني بطبعه ومن خلال تفسيره للاجتماع الانساني أو الفردي وضروراته التي تخلق حالة من التعايش والسلام ضمن مساحات يضمن من خلالها بلوغ الكمال، وهذه الفكرة باتت من مهمات التعايش بين الأفراد والجماعات لتكوين بيئة سليمة قوامها المحبة وكل ما له علاقة بعملية البناء السليم، لكن ما هي واجبات الحفاظ على هذا التعايش او التقارب اذا كانت البيئة السياسية والدينية قد أثرت بشكل كبير على مرتكزات العقل وعملت على برمجته ضمن اجنداتها؟، وهنا نتحدث عن نماذج معينة اي ما يصدر عن الفرد سواء كان سياسي او ديني دون الدخول في العموميات والأحكام المطلقة، بالتالي لعب الخطاب السياسي بمدارسه الضيقه بتقزيم فكرة التعايش فضلا عن الخطاب الديني الذي لعب دور في عملية التباعد التي أسست فيما بعد لفكرة التقاتل وانتظار سوء الاخر المُهدد ضمن مشروعه الذي أسست له كل مدارس الكراهية والتكفير ورفض فكرة السلام والتي ايضا لعبت على عامل الهوية الضيقة ليس داخل الدين نفسه بل داخل الطائفة والجماعة، والعراق والفرد العراقي عانى ولا يزال يعاني من الخطابات التي أسست لقتله والأخرى التي ساعدت على ان يكون ضمن مشروع حزبي ضيق او هوية طائفية او قومية.
مع قرب الانتخابات التشريعية في العراق بدت القنوات الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعي ببث سموم الخطابين الطائفي (الديني) - السياسي من خلال طرح متبنيات سياسية بالدرجة الأولى نائمة طيلة الاربع سنوات الفائتة تعمل وكأنها خلية نائمة مبرجمة تستهدف الفرد والجماعة معاً، فمقدار التناحر السياسي لا يتم قياسه الا من خلال قياس مستوى شحن الشارع بالأفكار التي ستساهم في تعزيز مكانة هذا الحزب او ذاك من حيث عملية رفع المظلومية وتحديدا (الشيعية - السنية) ولا نعلم من هو المظلوم في هذه المعادلة التي بالأساس تحكمها الاجندات الاقليمية - الدولية، فكلا الطائفتين وهنا نتحدث عن سياسي الطائفتين ينعمون بحصانة برلمانية وحماية اقليمية ورعاية دولية وامتيازات ما انزل الله بها من سلطان، ناهيك عن العطايا التي لا تنقطع، الادهى ان مخرجات هذه الطبقة واضحة ومشروعهم معلوم ومتبنياتهم ومن خلال السلوكيات والإجراءات المتبعة من قبلهم بعيدة عن الدين والسياسة، لكن المرحلة تتطلب عملية التهييج التي تُمارس تجاه الفرد العراقي ليكون مشروع صوتاً انتخابياً يساهم في تعزيز مكانة هذا الحزب الشيعي او ذاك الحزب السني، بالنتيجة الفرد الشيعي والسني لابد من ان يتحول إلى وحش طالما العملية الانتخابية مستمرة أي يتحول إلى ماكنة تبطش بكل فكر وسطي او وطني، أما الدور الأخطر هو ما تلعبه خطابات الكراهية في رسم ملامح التباعد والتشظي المجتمعي التي تساهم في تصوير مجتمع متفرق لا قيمة له، مشاهد وصور خطيرة يحاول متسلقي الدين والسياسة صناعتها، بالتالي تطفو متبنايات خطيرة بمقاييس الاشخاص والاحزاب تنسج مخيلات عنفية وتستحضر سرديات لا داعي منها سوى أنها تساعد على استمرار من يروج للكراهية.
الأكثر ايلاما هو مشهد ما بعد الانتخابات وصعود ذات المتموضعين في أماكنهم البرلمانية والوزارية والخ. .. من الهيئات والتشكيلات الحكومية وغير الحكومية، تختفي عملية التهييج الطائفي - السياسي وتنتهي الوعود عند هذا المذهب او تلك القومية وتبدأ مرحلة أخرى مختلفة تتحدث عن عقود وصفقات ولقاء لغرض ترطيب الأجواء المشحونة، وتعود الحياة لطبيعتها والمتناحرين من المتحزبين وأصحاب الدين والمذهب تجمعهم عقود وصفقات ومشاريع ويتحولون إلى منظري في الاقتصاد والاعمال، اما السياسيين فلا عدد يذكر ولا نوع يعمل، اما الفرد المتناحر جراء عملية التهييج الانتخابي فيعودون لذات المأساة الصيفية والشتوية، ويعود لواقعه داخل المؤسسات الحكومية وواقعه في الشارع والى كل حقيقة تركها وراح خلف المتبنى السياسي، بالمحصلة كلنا في العراق عبارة عن مشروع وفق متبنى سياسي - حزبي لطبقة نصبت نفسها حاكمة بالشرع والتشريع دون أي حدود تذكر، متجاوزين أو أكثر تركيز متجاهلين كل ما له علاقة بحياة المواطن وحريته وحقوقه، وما على المواطن إلا ان يعي بالدرجة الأساس مصلحته التي لا تتم الا بعد ان يُدرك ان ما يدور حوله ما هو الا مشروع بعيد كل البعد عن تحديد مصيره.










