السماوة / كريم ستار
في قلب محافظة المثنى، يقف مستشفى الحسين التعليمي شاهدًا على أزمة صحية متفاقمة، يثقلها الإهمال الإداري، وتراجع الدعم الحكومي، وانهيار البنى التحتية. يُعد المستشفى المركز الصحي الرئيسي في المحافظة، إلا أن أوضاعه الحالية تجعله عاجزًا عن تلبية أبسط احتياجات المواطنين، في ظل شكاوى مستمرة من السكان والكوادر الطبية على حد سواء.
مستشفى يشبه الأطلال
يصف المواطن هادي عبد الحسن (45 عامًا) المشهد داخل المستشفى بالكارثي، قائلاً لـ(المدى):
“عندما تدخل إلى الطوارئ، ترى الأرضيات المكسّرة، والسقوف المتشققة، وأجهزة تعود لعقود مضت. المستشفى أقرب إلى مبنى مهجور منه إلى مؤسسة صحية يُفترض بها أن تنقذ الأرواح”.
ويضيف: “الصور المسربة من الداخل تُظهر تسرّب المياه من الأسقف، واهتراء الجدران، ونقصًا حادًا في الأسرة والمعدات. بعض القاعات مغلقة منذ سنوات، بينما تكتظ الأخرى بالمرضى الذين يتقاسمون السرير والأغطية”.
من جانبه، يشير أحد الممرضين (رفض الكشف عن اسمه) إلى أن الكوادر الطبية تعمل في ظروف “شبه مستحيلة”، وسط نقص عددي وانعدام الحد الأدنى من الإمكانات، قائلاً:
“الكهرباء تنقطع باستمرار، والمولدات لا تكفي لتشغيل الأجهزة الحيوية. لا توجد أجهزة تصوير حديثة، ونحوّل المرضى لفحوصات بسيطة إلى محافظات أخرى. حتى الأدوية الأساسية مفقودة، ونعتذر يوميًا من المرضى”.
في المقابل، نفت الجهات الصحية في المثنى وجود تقصير في مستشفى الحسين، وقال خالد عباس ناهي، مدير قسم الصيدلة في دائرة صحة المثنى، لـ(المدى):
“نمتلك رصيدًا من الأدوية يغطي نحو 95% من القائمة الأساسية التي تضم 700 مادة، أُعدّت من قبل لجان وزارة الصحة”.
وتابع: “تم مؤخرًا تطبيق قرار يتيح لنا استيراد أدوية خارج هذه القائمة، وهو ما سيحدث فرقًا واضحًا في العلاج وتنوع الأدوية المتاحة. كما لدينا خطة لتفعيل الصيدليات الخافرة خارج أوقات الدوام الرسمي، لكننا بحاجة لدعم محلي ومركزي لتطبيق هذه الخطط”.
وأضاف أن “مبالغ المناقلات للعام الماضي تجاوزت 13 مليار دينار، خُصصت لشراء الأدوية والمستلزمات الطبية”.
الألم أقرب من العلاج
في إحدى الردهات، كانت أم حسين تجلس بجانب سرير ابنها المصاب بمرض كبدي، تحاول تبريد جبينه بقطعة قماش مبللة. قالت لـ(المدى) بحرقة: “منذ أسبوع ونحن نبحث عن طبيب متخصص، وكل يوم يُؤجل الفحص بسبب عطل الجهاز أو غياب الكادر. أخشى أن يموت بين يديّ دون علاج”.
أما المواطن علاء جبار فقد اضطر لنقل والده المصاب بجلطة دماغية إلى بغداد بعد فشل مستشفى الحسين في تقديم الإسعاف الأولي، قائلاً: “خسرنا ساعات ذهبية في السماوة. لو كانت الخدمات متوفرة هنا، لما تدهورت حالته بهذا الشكل”. الأزمة لا تقتصر على مستشفى الحسين، بل تتضاعف بسبب تلكؤ مشروع المستشفى الألماني، الذي بدأ العمل فيه عام 2012 بطاقة استيعابية تتجاوز 400 سرير، وبمواصفات حديثة. إلا أن المشروع لم يُنجز حتى اليوم، وبات يُنظر إليه كرمز للفشل المزمن في ملف الصحة.
يقول المهندس علي فاضل لـ(المدى): “المشروع تعرّض لعقبات إدارية ومالية، إضافة إلى تقصير الشركة المنفذة، وغياب الشفافية والمحاسبة. يقف الهيكل كأثر غير مكتمل، بينما يُترك الأهالي لمستشفيات متهالكة”.
ويضيف: “نتابع المشروع مع الجهات المختصة، وهناك تحرك لإدراجه ضمن موازنة 2025. لكن التحديات البيروقراطية لا تزال قائمة”.
في الشارع السماوي، تتصاعد موجة استياء شعبي تجاه ما وصفه المواطنون بـ”الوعود المكررة التي لم تعد تُقنع أحدًا”. تقول زينب علي، طالبة جامعية، لـ(المدى):
“لا نثق بالوعود بعد الآن. كل عام نسمع نفس التصريحات، والمستشفى يزداد سوءًا. أما المستشفى الألماني، فأصبح نكتة حزينة نتداولها في الأحاديث اليومية”.