ترجمة د. فالح الحمـراني
قررت إسرائيل مساء الجمعة الماضي، أخيرًا القيام بشيءٍ كثر الحديث عنه على مدار العقدين الماضيين، لكن الكثيرين لم يصدقوا تمامًا إمكانية تحقيقه - ضربات عسكرية واسعة النطاق على إيران بهدف رئيسي هو وقف ما تزعم سعيها الحثيث نحو امتلاك أسلحة نووية. من الواضح لإسرائيل أهداف ثانوية هي إلحاق أقصى ضرر بالقدرات العسكرية الإيرانية، وفي أحسن الأحوال - زعزعة استقرار الوضع السياسي.
لا يزال من الصعب الحديث عن نتائج الحملة العسكرية الإسرائيلية من حيث تحقيق أهدافها، على الرغم من أن التقارير الأولية تشير إلى تدمير أو "تقليص" القيادة العسكرية الإيرانية العليا (بما في ذلك الحرس الثوري الإسلامي) والبرنامج النووي الإيراني.
مع ذلك، فإن تدمير شبكة كاملة من المنشآت الصناعية النووية المحمية جيدًا والمتفرقة مهمةٌ ليست بالهينة، ولم يسبق لأحدٍ حلّها عسكريًا. في السابق، نجحت إسرائيل في القضاء على البرامج النووية العسكرية للعراق وسوريا بضربات جوية واحدة - ولكن في كلتا الحالتين، كان الأمر يتعلق بتدمير مفاعلات نووية فردية. إيران تُعتبر عصية على الحل، وبرنامجها النووي أوسع بكثير.
تُدرك تل أبيب هذا جيدًا، لذا، إذا صدقنا التسريبات الصادرة منها، فمن المقرر أن يستمر العمل العسكري أسبوعًا على الأقل. لا يسعنا إلا أن الاشارة الى جهود أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، التي يبدو أنها فاجأت العالم مجددًا بدقة رصد وتتبع الأهداف والأشخاص، مما مكّن من تنفيذ هذه الضربة.
كان الضربة الإسرائيلية موقوتة للغاية. فخيارات رد طهران محدودة للغاية بسبب الهجمات الإسرائيلية السابقة، التي ألحقت أضرارًا بالغة بـ"حلفاء" إيران الرئيسيين في المنطقة، بدءًا من حركة حماس وحزب الله. كما خسرت إيران حليفًا مهمًا كسوريا الأسد. ويجلس دونالد ترامب في البيت الأبيض، وهو، على الرغم من جميع خلافاته مع القيادة الإسرائيلية، يدعم تل أبيب بقوة في مسألة القضاء على الإمكانات النووية الإيرانية، ولا يُبالي إطلاقًا بـ"أوهام" القانون الدولي والإنساني. ويُركز الاتحاد الأوروبي وروسيا على الصراع الأوكراني، وسيُقيّمان الإجراءات الإسرائيلية بالأساس من هذا المنظور.
مع ذلك، فإن أي نجاح للضربة الأولى على إيران لا يزال يترك السؤال الرئيسي مفتوحًا: هل ستكون هذه العملية بداية حرب طويلة الأمد وواسعة النطاق في المنطقة، على الأقل بين إسرائيل وإيران، مع إمكانية إشراك مجموعة واسعة من الدول الأخرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة؟ وفي النهاية، هل ستتمكن إسرائيل من تحييد الإمكانات النووية الإيرانية تمامًا، أم على العكس، هل ستفتح ضربتها الباب أمام قنبلة نووية إيرانية، واستخدامها، لا سمح الله. تلعب إسرائيل لعبة محفوفة بالمخاطر - مع أن الخطر الذي تعرضت له البلاد في عامي 1967 و1973، ربما، من وجهة نظر نخبتها، لم يكن أقل خطورة.
بالانتقال إلى تقييم ما يحدث من منظور المصالح الروسية، أود أن أشير إلى أن أوكرانيا، بالإضافة إلى إيران نفسها، ستعاني على الأرجح من أكبر ضرر عسكري وسياسي في هذا الوضع. إن أي حرب جديدة في الشرق الأوسط لن تصرف انتباه العالم عن عملية عسكرية خاصة فحسب، بل ستساهم أيضًا، على ما يبدو، في إعادة توجيه الولايات المتحدة نهائيًا نحو تقديم المساعدة العسكرية لإسرائيل.
بدأت أولى بوادر هذا الأمر واضحة. فالعدوانية الإسرائيلية الشرسة ستُقوّض مصداقية أي انتقاد للعمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا من النواحي السياسية والإنسانية والقانونية. ولا شك أن الحرب مع إيران ستؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط العالمية، مما سيُبدد آمال أوكرانيا وحلفائها في أوروبا الغربية في انخفاض عائدات النفط الروسية، بالغة الأهمية لتمويل الميزانية العسكرية الروسية.
بالنسبة لروسيا قد يُصبح يوم الجمعة هذا تاريخًا سياسيًا بالغ الأهمية، تمامًا كإعادة انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة.
صحيفة روسيسكايا غازيتا