علاء المفرجي
منذ بدايات القرن العشرين، بدأ المسرح العراقي يتأثر بالثقافات الغربية من خلال الترجمة والبعثات الدراسية. على سبيل المثال، سافر العديد من المسرحيين العراقيين إلى أوروبا وأمريكا لدراسة فنون المسرح، مثل إبراهيم جلال ويوسف العاني، الذين تأثروا بنظريا ت ستانسلافسكي وبريشت. هذا التأثر ظهر جليًا في أعمالهم، حيث حاولوا تطبيق هذه النظريات على الواقع العراقي.
أما في السبعينات والثمانينات، فقد ظهرت محاولات لتطوير المسرح العراقي من خلال مزج التأثيرات الغربية مع التراث المحلي. على سبيل المثال، قدم يوسف العاني أعمالًا مثل "صورة جديدة" و"المفتاح" التي استلهمت من التاريخ العراقي والتراث العربي، مع الحفاظ على بعض الأساليب الغربية في الكتابة والإخراج.
على الرغم من التأثر بالثقافات الغربية، سعى المسرحيون العراقيون إلى الحفاظ على خصوصيتهم الثقافية. فقد حاولوا دمج العناصر المحلية مثل الحكايات الشعبية، الأساطير، والرموز الثقافية في أعمالهم. هذا التوجه ظهر في أعمال مثل "الخرابة" و"المفتاح" التي تناولت قضايا اجتماعية وسياسية.
هل ترى أن المسرح العراقي تأثر بالثقافات الغربية أم حافظ على خصوصيته؟ سؤال استطلعنا فيه أراء عدد من مسرحيينا العراقين.
الكاتب المسرحي والروائي عواد علي
لا شك في أن المسرح العراقي تأثر بالثقافات الغربية، بمعنى أنه تأثر بالتيارات والمدارس المسرحية الغربية، على صعيدي التأليف والصياغات الإخراجية للعروص. فمنذ خمسينات القرن الماضي كان للنظرية الأرسطية في بناء النصوص المسرحية لدى الكتّاب العراقيين تأثير واضح، مثلما كان لطريقة استانسلافسكي الواقعية في التمثيل والإخراج، كما في نصوص يوسف العاني المبكرة، وتجارب جاسم العبودي وجعفر السعدي، تمثيلاً لا حصراً.
وفي الستينات، تأثر المسرح العراقي بمسرح اللامعقول، وكان الرائد في ذلك طه سالم كما في نصوص (طنطل، البقرة الحلوب، الكورة، وفوانيس)، وقد أدخل في عوالمها التراث الشعبي ليضفي عليها نكهةً محليةً. كما انتعش الاتجاه الواقعي التخييلي المتأثر يالواقعية الروسية كما في تجارب قاسم محمد، وخاصةً في مسرحية "النخلة والجيران".
وفي السبعينات بدأ الاتجاه التجريبي يظهر في المسرح العراقي كما في عدد من مسرحيات جليل القيسي التي ضمتها مجموعته "جيفارا عاد افتحوا الأبواب". ومزج عادل كاظم بين الاتجاهات التعبيرية والوجودية والواقعية والملحمية، ومن أبرز تجاربه "الطوفان"، "تموز يقرع الناقوس"، نديمكم هذا المساء"، و"دائرة الفحم البغدادية" التي كيّفها عن نص بريخت "دائرة الطباشير القوقازية"، وأبدع في إخراجها إبراهيم جلال، وفق منهج برخت، وتأويل عراقي خاص برؤية المخرج الذاتية. وجاء عوني كرومي ليعمق هذا المنهج في إخراجه لعدد من مسرحيات بريخت في أكاديمية الفنون الجميلة مثل (كوريولان، غاليلو غاليليه، ورؤى سيمون ماشار).
وفي الثمانينات برزت تجارب صلاح القصب في مسرح الصورة مع نصوص شكسبير وتشيخوف، متأثراً بأساتذته المخرجين الرومانيين في أثناء دراسته العليا ببوخارست. وقد خرج من معطف القصب عدد من المخرجين في التسعينات وبداية الألفية الثالثة من خلال تركيزهم على الجانب البصري والأداء الجسدي، وأفضى هذا التركيز إلى ظهور جيل من المخرجين تصدّرت الكيروغرافيا في تجاربهم.
لكن على الرغم من تأثر المسرح العراقي بالتيارات المسرحية الغربية، خلال ما يزيد على نصف قرن، يمكن القول أنه حافظ إلى حد ما على خصوصيته بإضفاء ملامح محلية من موروثه الشعبي وطقوسه ورؤاه على تجاربه.
الناقدة أطياف رشيد
يندرج تحت فكرة الثقافة الغربية طيف واسع من المفاهيم والقيم والتقاليد وصولا الى الفكر والفلسفة، والمسرح ليس ببعيد عن التلاقح مع كل ذلك. فقد افاد المسرح العراقي منذ تأسيسه على يد رواده الذين درسوا الفنون في أوربا وفي اروقة الفنون الغربية فعملوا على دمج التراث المحلي واستنطاق مفرداته بالادوات والاساليب المعرفية والجمالية الجديدة التي امتلكوا ناصيتها اخراجا وتأليفا وتقنيات، فاعادوا توظيفها بما ينسجم وطبيعة المجتمع العراقي وارثه السيسيو _ثقافي الخاص. وذلك من حيث اختيار النصوص العالمية ومحاولة تعريقها (كما في مسرحية البيك والسائق)ليوسف العاني والتي اعدها عن مسرحية السيد بونتيلا وخادمه لبريشت، مازجا بين رؤيته الواقعية للموضوع الدرامي والمنهج البرشتي، وليس انتهاء بانطلاق الحداثة وفضاءاتها المترامية من حيث التكنولوجيا والفكر، حيث نتلمس شذراتها في العروض الحديثة. اذن يبدو جليا ان التأثير واكتساب الخبرات من تجارب وثقافات اخرى من باب اكتشاف الذات والهوية من خلال الاخر المختلف هو بابداع خط واسلوب خاص يجمع بين المحلي والعالمي في لغة جمالية كما فعل روادنا وليس بالاستنساخ الأعمى لتلك التجارب.
المنجز المسرحي العراقي يمكن ان يؤكد رسوخه من خلال أعمال مهمة اتسمت بطابع منهجي مثل مسرحيات قاسم محمد في استلهام التراث وعقيل مهدي في مسرح السيرة وصلاح القصب في مسرح الصورة وعواطف نعيم في مسرحها الفقير. وأسماء كثيرة مهمة كان لها السبق في التأسيس لمسرح عراقي برؤى متجددة.
كذلك من يتابع مسرحيات جواد الأسدي و كاظم نصار ومهند هادي وانس عبد الصمد يجد فيها اضافات مهمة تعبد لها طريقا حقيقيا نحو الخصوصية. ربما يمكن ان يوصف بالبصمة المتفردة والواضحة الملامح والحدود، اعدادا عن نصوص عالمية و تاليفا واخراجا مما يعد ان يكون منهجا واسلوبا اصيلا من خلال حفريات شديدة العمق في الذات والهوية العراقية من جهة وفي اكتشاف فضاءات جمالية في التعبير من خلال تبني: - الإضاءة المسرحية الديناميكية والملونة. - المؤثرات الصوتية والموسيقية و الديكور و التصميم الاحترافي للصوت، وغيرها من العناصر التي تتضافر من اجل انجاز ما يترك أثرا طيبا للمسرح العراقي في الذائقة الأكاديمية ولدى الجمهور.
المخرج عقيل مهدي
يبقى التراث الثقافي العراقي.. مصدرا اساسيا في رفد المسرح..الوطني بخطاب فني ملتزم بحاجة المجتمع إلى ما يغني وجدان وعقل الجمهور بشكل متواصل..مع متغيرات السياسة وما تقتضية المتطلبات الاجتماعية من طروحات.. تستجيب.. للتطور المحلي والعالمي.. إذ لا يمكن الانقطاع عن ضرورات المسرح الغربي.. الذي هو أيضا يفيد من تراثنا الشرقي والعراقي بالذات فيما يخص على سبيل المثال.. حكايا الف ليلة وليلة او الموروث السومري والبابلي وسواه من روافد لاحقة عن البعد الحضاري لتاريخ العراق..وتجليات الفلسفة الإسلامية والصراع الغربي..والعربي بشكل متواصل..بمواقف السلم والحرب والتحرر من الاحتلال.. ويبقى التأثر حاضرا بكل ثقافات الشعوب من المسرح الاغريقي.. إلى المسرح المعاصر الذي يوظف اللغة الفنية الجمالية بخططه التاليفية والاخراجية وأساليب التواصل الاجتماعي مع الموروث الوطني واسلوبيات التداول الابداعي في مخاطبة الجمهور..وتحفيزه في التلقي التداولي.. بشكل مبتكر جديد..وهنا نرى ان التأثر بالمسرح الغربي العالمي.. هو الذي يغني مسرحنا العراقي ويثريه بعيدا عن القطوعات.. عن مقتنيات الحداثة وانفتاحها على القيم الإبداعية الراقية التي تعزز الهوية..الوطنية.. لمكونات الشعب ونضالاته الإنسانية المتعالية على العرقيات والعقائد.. العنصرية المتطرفة..بروح جمعية حرة تنشد ادبارادتها الوطنية الشاملة لمكونات الشعب وتكريس حقوقه المشروعة.. لو استرجعنا.. الذاكرة المسرحية.. العراقية.. لوحدنا ان الملاحم الجامع مابين الإبداعات المسرحية لم تجد تعارض فيما كتبته أقلام المؤلفين للنصوص الدرامية والمخرجين في عروضهم المسرحي والنقاد في مباحثهم الخاصة بتققيم العروض وابعاد التلقي للجمهور.. لخلصنا إلى.. ان البعد الوطني.. لا يتقاطع مع الثقافة المسرحية الغربية برؤى نابعة من ثقافتنا المستنيرة.. المحلية.. والارتقاء باتفاق المسرح العراقي بمثل هذا المرور المسرحي الراقي منذ مرحلة الأساتذة الرواد.. إلى المسرحيين.. في عقود زمنية لاحقة.. ومعاصرة.. يقدمون الموروث العراقي بلغة متقدمة مسرحية..بخلاف بعض التجارب البعيدة عن الحرفة المسرحية المبدعة الجادة..وهم.. على هامش العلاقة الجدلية مابين التراث الوطني والمعاصرة التجديدية ومحفزاتها الأوربية وسواها من مسارح في الشرق أيضا..وهنا تكمن خصوصيتة المتفردة لدى نخبة من مسرحيينا المثقفين.. بابداعهم المشرف.. في مواكبة طروحات المسرح العالمي الذي يسهم فيه فنانو المسرح العراقي الجاد..بابداع متواصل. تنشد بارادتهاالوطنية.
الناقد بشار عليوي
لقد فتحت تمظهرات الثقافات الغربية في المسرح العراقي المعاصر, آفاقاً عديدة أمام غالبية المسرحيين العراقيين من أجل تحديث وتطوير رؤاهم الجمالية والفكرية, مما ساهمَ في تحديث وتطوير المسرح العراقي المعاصر عموماً, مما يؤكد السيادة الواضحة لمُختلف تلكَ الثقافات الغربية على عدد من عروض المسرح العراقي, التي حاولتْ في الآونة الأخيرة تحقيق فعل المُغايرة والاختلاف عما هوَ سائد من عروض عراقية مع الإقرار بوجود سواد أعظم من تجارب المسرحيين العراقيين التي استطاعتْ المُحافظة على خصوصيتها المحلية على صعيد الشكل والمضمون, نحنُ نتكلم عن النتاج المسرحي الفرجوي وليس النتاج النصيّ أو الكم الهائل من الدراسات البحثية الأكاديمية التي لا علاقةً لها بفنون الفُرجة على سبيل التطبيق والمُمارسة, فالمسرحيون العراقيون قد اهتموا بمُتابعة مُجمل التطورات الحاصلة في المشهد المسرحي العالمي الجديد, وقد كانَ لهذا الاهتمام أثرهُ الواضح للتأثير في شكل العرض المسرحي العراقي وصيرورتهِ النهائية, وتأثر المسرحيين العراقيين متأتي بفعل انفتاحهم على هذهِ التطورات الحديثة عبرَ مشاركاتهم المُستمرة في المهرجانات المسرحية الإقليمية منها والدولية, كمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي ومهرجان أيام قرطاج المسرحية ومهرجان المسرح العربي الذي تنظمهُ الهيئة العربية للمسرح ومهرجان المسرح الأردني والمهرجانات المسرحية التي تُقام في بُلدان المغرب العربي.... وغيرها, فضلاً عن التوسع النوعي والعددي في الأبحاث والدراسات العُليا داخل العراق مما جعلَ المؤلفين والدارسين العراقيين ينفتحون على التيارات والاتجاهات والمدارس المسرحية الجديدة في العالم, وهذا كُلُّه أدى إلى تحديث بُنية العرض المسرحي المعاصر العراقي عموماً.
المخرج والناقد د. سعد عزيز
من نافل القول ان الفن المسرحي هو فن مستورد للمنطقة العربية ولبلادنا حيث استلهم مسرحيونا التقنية المسرحية من الاغريق والغرب في ضوء كتاب ارسطو فن الشعر وتنفيذه لمخططه التراجيدي وفلسفته على مسرحيات سوفوكليس ونقل تلاوين المسرحيات الاليزابثية والرومانية والمسرح الملحمي البريشتي في القرن العشرين وترجمته الى لغتنا حيث امسى مسرحيونا يقلدون التراث والمقترح الغربي شكلا ومضمونا وتقنية طوال مئة سنة من تاريخ المسرح العربي الى ان جاء عقد الستينيات من القرن المنصرم وحظر بقوة سؤال التأصيل والعودة الى التراث في المسرح العربي وبدأ البحث عن الملامح شبه المسرحية والاحتفالية في مسرحنا العربي بفواعل توفيق الحكيم وصلاح عبد الصبور ويوسف ادريس وسعد الدين وهبة والفريد فرج وعز الدين المدني والطيب الصديقي وعبد الكريم برشيد وعبد القادر علولة بالعودة الى مسرح السامر ومسرح التعزية ومسرح العرائس والدمى والحكواتي ومسرح الحلقة والبساط ومسرح المقهى والمسرح الاحتفالي وغيرها وفي العراق بدأت اللحظة الحقيقية لسؤال المسرح وعصرنته بعيدا عن التراث الغربي من النص المحلي وانتاج (مسرح المؤلف) فكانت الواقعية النقدية هي المتكأ الذي اتكأ عليه مسرحنا بمضامين الحكاية الشعبية المحلية من الماض القريب بفواعل يوسف العاني وطه سالم وعادل كاظم وقاسم محمد بنصوص فلوس الدوه وست دراهم وتأمر بيك والمفتاح وطنطل ونفوس والنخلة والجيران والخيط وصورة جديدة والشريعة والقربان وغيرها ومن ثم جاء الانفتاح على التراث العربي الاسلامي والمثولوجيا والاسطورة الرافدينية لدى المؤلف والمخرج قاسم محمد بنصوصه المتكأة على كتب الجاحظ وابي حيان التوحيدي ومقامات الهمداني والحريري وفريد الدين العطار في منطق الطير وغيرها بمسرحيات بغداد الازل بين الجد والهزل ومجالس التراث وكان ياماكان وطال حزني وسروري في مقامات الحريري ومسرحيات (الطوفان) وتموز يقرع الناقوس ومقامات ابي الورد والمتنبي لعادل كاظم و(جلجامش) بترجمة طه باقر واعداد سامي عبد الحميد ومسرحية الليالي السومرية للطفية الدليمي وسيدرا لخزعل الماجدي والنبش في السؤال الاسطوري والمثولوجي العراقي وتحويله للمسرح والدراما وطرح السؤال الصوفي الاسلامي لدى عزيز عبد الصاحب في مسرحيتي ليلة خروج بشر بن الحارث حافيا و(الجوهرة او السهروردي المقتول) او استلهام حكايات الف ليلة وليلة وتحويلها من السرد الى الدراما لدى يوسف الصائغ ومحي الدين زنكنه وفلاح شاكر بنصوص الباب والسؤال والف رحلة ورحلة، وحتى في استلهام التراث المسرحي الغربي لم يبقيه المسرحي العراقي على حاله بل سعى الى تعريقه وعصرنته كي يطابق البيئة المحلية وشروطها وخصوصا في التعاطي مع نصوص الكاتب الالماني برتولد بريشت حيث تم تعريق مسرحية بونتيلا وتابعه ماتي من قبل الشاعر صادق الصائغ وحولها الى مسرحية البيك والسايق وكذلك عادل كاظم في تعريقه لمسرحية (دائرة الطباشير القوقازية) وحولها الى (دائرة الفحم البغدادية) ومسرحية (الانسان الطيب في ستزوان) عرقها (فاروق محمد) واعطاها مسحة محلية، لم يبق العقل العراقي ساكنا ازاء الميراث المسرحي الغربي انما شاكسه على وفق متطلبات المجتمع العراقي ومشاكله وعلله العضوية.
المخرج كاظم نصار
ميزة المسرح العراقي ان رواده المؤسسون تخرجوا من مدارس عالمية مختلفة روسيا وفرنسا وايطاليا وامريكا وبريطانيا والمانيا واوربا الشرقية لكنهم عجنوا ومن تلاهم هذه المعرفة مع معطيات المدرسة العراقية التي هي نتاج خليط هذه المدارس واول خروج استثنائي كان على يد المخرج قاسم محمد القادم من روسيا ليقدم النخلة والجيران بشخوصها وبيئتها العراقية ومنظوماتها الصوتية... وتلا ذلك مخرجون اخرون مثل عوني كرومي وعقيل مهدي وعزيز خيون واستمرارا حتى اليوم....يقدم المسرح العراقي مع تمازج ثقافاته مع الاخر نماذج عراقية وخاصة من التراث كملحمة كلكامش وغيرها
طبعا كل المسرح هو وارد الينا لكن مهارة وخبرة الرواد وماتلاهم عملوا خصوصية عرضية وبدات من النصوص والبيئة وانتهاءا بمزج الاساليب العالمية مع بعضها من خلال تاثيرات بريشت وسانستلافسكي في البنية العرضية خاصة وهذا متاتي من دراستهم الاكاديمية لكل تلكم التجليات التجليات الاوربية والأمريكية لقد صارت هناك تحولات فارقة في العرض العراقي في الثمانييات عندما عاد عددا من الرواد من اوربا الشرقية واستطاعوا تحديث بنية العرض العراقي وانفتاحه على اساليب ومدارس جديدة مثل مسرح الصورة وغيره.
علي عبد النبي الزيدي
لم يعرف العرب المسرح ومنهم العراق في تاريخه القديم والمعاصر إلا متأخرًا، وهذا أمرٌ حُسم عن طريق البحث العلمي الذي يؤكد أن المسرح ظهرَ قبل قرن ونصف الى العراق، وبدأ يُمارس في الكنائس ومن ثم انتقل الى المسارح وسواها، لذلك في بداياته تأثر بشكل واضح بالتجارب الغربية وثقافتها، وظل يقدم النصوص العالمية كلما سنحت الفرصة بالحصول على ترجمة هنا وهناك، وبتقديري هذا الأمر ظل ماثلا الى نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، فقد كان هوس المخرجيين العراقيين بالنص المسرحي الغربي وتقديمه على خشبات المسارح في أشده، رغم أن التأليف ظهر مبكرا في الاربعينيات على أيدي العديد من المؤلفين المحليين على بساطة نصوصهم وطروحاتهم وتصوراتهم، ولكن يُحسب لهم محاولاتهم وتأسيسهم لمناخات الكتابة عندنا في العراق، وأزعم أن مرحلة التسعينيات هي المرحلة الأبرز على مستوى التأليف المسرحي المحلي، فقد ظهرت العديد من الأسماء المهمة والمغايرة التي أغنت المسرح العراقي، وحققت حضورا بارزا في كتاباتها، فقد جاءوا بوعي جديد وهم يقرأون الواقع العراقي خاصة ما يتعلق بما خلفته الحروب من كوارث واستلاب للإنسان، الأمر الذي جعل الأغلب من المخرجيين ينتبهون لهذه الظاهرة الجديدة في الكتابة، فابتعدوا عن تقديم النص الغربي الى حد ما، وهو ما يعكس أن منتج الخطاب المسرحي عندنا راح يقدم ثقافته المحلية للعالم، ويجرب اشكالا متعددة في عروضه المسرحية، وبعض المخرجين راح يجرب بمسرحة التراث وشكل تفردًا عربيا في مجاله، ومن هنا لابد من الإشارة أن للعراق أحداثه الخاصة تختلف حتى عربيا، وهي التي شكلت ثقافة في بنية المسرح تأليفًا وإخراجا، وهذه سِمة مهمة جعلت لنصوصنا وعروضنا طعمًا مختلفًا وروحًا واسلوبًا ميزها على المسرح في العالم.
د. فاتن الطائي
حافظ المسرح العراقي على هويته، لا عبر الانغلاق على الذات، بل من خلال حوار حضاري مفتوح مع الآخر، تُعاد فيه قراءة التراث كمورد فني وإنساني يغني الحاضر ويؤسس لمستقبل مسرحي يحمل الخصوصية والانفتاح في آنٍ واحد. ورغم تأثر المسرح العراقي بالتيارات والمدارس المسرحية المعاصرة إلا أنه زاوج ما بين تلك التيارات المسرحية المعاصرة وما بين تراث هو هويته العربية منذ بداية المسرح العربي ومنذ نشأته.. وهذا لا يعني أنه لا توجد تجارب مسرحية قلدت المسرح الغربي ولم تؤكد على هوية المسرح العربي تحته عدة مسميات أطلقها على تجاربهم الخاصة سواء في الوطن العربي أو في العراق لكن هذه هي التجارب لم تؤثر على هوية المسرح العربي أو العراقي.
مسرحيون: على الرغم من التأثر بالثقافات الغربية، حافظ المسرحيون العراقيون على خصوصيتهم الثقافية
المسرح العراقي كهوية ثقافية

نشر في: 17 يونيو, 2025: 12:01 ص