ميسان / مهدي الساعدي
تتهادى إلى مدينة المجر الكبير أمواج نهر يتفرع من دجلة عند خروجه من مدينة العمارة، التي تبعد عنها نحو 33 كيلومتراً. يقسم هذا النهر المدينة إلى ضفتين، ويُعتقد أن تسميتها جاءت نسبة إليه. وقد ثبت اسمها لدى عدد من الرحالة الغربيين الذين مروا بها منتصف القرن السادس عشر الميلادي، من أبرزهم الرحالة سباستياني عام 1656م، وتافرنييه عام 1678م، وهو ما يرجح أن المدينة أقدم مما دوّنه المؤرخون.
في هذه المدينة، انطلقت أولى آهاته طور “المحمداوي”، الذي يحمل بين نغماته قسمات مقام الصبا، وينقل بحزن فطري أنين أبناء الجنوب وآلامهم الدفينة، ليغدو واحداً من أبرز الأطوار الغنائية التي اجتاحت البلاد، وتوارثته الأجيال على ضفاف أنهار المجر الكبير.
نشأة وتسمية
يرجع تاريخ تأسيس قضاء المجر الكبير إلى العهد العثماني، حيث أُطلق عليه أولاً اسم “سويّك وادي” نسبة إلى الشيخ وادي الخليفة، جدّ الشيخ المعروف محمد العريبي، شيخ عشائر البو محمد. ويقول الكاتب والباحث علي العقابي إن تأسيس القضاء يعود إلى عام 1876م ليكون سوقاً للمنطقة، وسمي بـ”سوق وادي” نسبة إلى شيخ البو محمد وادي بن منشد. وأضاف العقابي أن السكان أنشأوا حوله البساتين وزرعوا الحقول بالخضر، ما أدى إلى توسع عمراني لافت، حتى أصبحت قرية كبيرة بيوتها من القصب. مر قضاء المجر الكبير بتقلبات إدارية عديدة منذ تأسيسه، فتارة يُصنَّف كقضاء وتارة يُخفض إلى ناحية، وأحيانًا يُلحق إدارياً بقضاء قلعة صالح. ويشير العقابي، في حديث خاص لصحيفة (المدى)، إلى أن “التعديلات الإدارية في لواء العمارة عام 1881م أعلنت المجر الكبير ناحية، وفي سنة 1904م أصبحت قضاءً في العهد العثماني. ثم تم تخفيض تصنيفه إلى ناحية، وأُلحقت بناحية قلعة سكر في محافظة الناصرية، لأسباب غير معروفة حينها”. وبعد الاحتلال البريطاني، تدهور الوضع الإداري للمدينة، حيث أُهملت صفتها الإدارية ولم تُذكر سوى بوصف “مقاطعة”. وفي بدايات العهد الملكي، أصبحت المجر الكبير قرية يديرها رئيس بلدية بصلاحيات جزائية محدودة من الدرجة الثالثة، وكان يُديرها فعليًا الشيخ مجيد بن خليفة بن وادي بن منشد. ويضيف العقابي: “في عام 1932م، أُعيدت المجر الكبير كناحية مُلحقة بقضاء قلعة صالح، وسرعان ما أصبحت ناحية مستقلة تتبع لواء العمارة سنة 1934م. وفي عام 1970م، صدر مرسوم جمهوري بتحويل ناحية المجر الكبير إلى قضاء مرة أخرى”.
الاقتصاد والزراعة
يُعد قضاء المجر الكبير ثاني أكبر أقضية محافظة ميسان من حيث المساحة وعدد السكان بعد مدينة العمارة. ويتبع له إداريًا ناحيتا العدل والخير. وقد اشتهر منذ العهود العثمانية والبريطانية والملكية والجمهورية بإنتاج وتصدير الحبوب، وفي مقدمتها الأرز (الشلب)، نظرًا لما يمتلكه من أراضٍ زراعية شاسعة.
كما تُعرف المدينة بأهوارها الكبيرة، وبتعدد أنهارها، وتُعد محلة “السراي” من أقدم محلات المدينة، وسُميت كذلك نسبة إلى سراي الحكومة العثمانية. وتليها محلة “البدراوي”، التي جاءت تسميتها نسبة إلى بيت البدراوي النازح من بدرة في لواء الكوت.
إلى جانب الزراعة، تُعد المجر الكبير من المدن الصناعية المهمة، إذ احتضنت أحد أكبر معامل السكر في العراق، وهو “معمل سكر القصب” الذي أُسس عام 1967م، وتحول لاحقاً إلى “الشركة العامة للسكر”. كما تضم القضاء معامل الورق والمشروبات الغازية، ما يُعزز من موقعها الاقتصادي.
الطاقة الثقافية والفكرية
أنجبت المجر الكبير العديد من الشخصيات العلمية والفكرية والفنية التي ذاع صيتها في مختلف أنحاء العالم. ويقول الكاتب علي العقابي: “لقد أنجبت هذه المدينة الكثير من الأعلام في شتى ميادين العلم والأدب، من شعراء وأدباء عالميين وأساتذة جامعات وأطباء ومهندسين وموسيقيين”.
ويضيف العقابي أن طور “المحمداوي” الشهير سُمّي نسبة إلى مؤسسه محمد نصر آل ناهي، وهو من أهالي قرية الصيكل التابعة لناحية العدل، إحدى نواحي قضاء المجر الكبير.
لا يزال أبناء القضاء يحتفظون بلقب “شكارة الحسين”، الذي أطلقه عليهم المرجع الديني الأعلى في وقته، آية الله العظمى السيد أبو الحسن الموسوي الأصفهاني، وذلك تكريماً لمشاركتهم الفاعلة في إحياء الشعائر الحسينية خلال شهري محرم وصفر.
وارتبط اسم المدينة بعشائر وشخصيات اجتماعية بارزة، لعل أبرزها السيد صروط الإسماعيلي، الذي ذاع صيته وكان مقصدًا لزائري الأهوار من مختلف بقاع العالم. ويشير الأكاديمي علي حسين إلى أن “السيد صروط، الذي أطلق عليه الباحث الإنجليزي ويلفر لقب ‘سيد الأهوار’، كان يتمتع بمكانة اجتماعية رفيعة، وكان مضيفه مفتوحًا للجميع. ومن الذين زاروه الرحالة الإنجليزي كيفن يونغ في سبعينيات القرن الماضي، وقد وثق تلك الزيارة بالصور”.
الآثار والتراث المنسي
تزخر نواحي وقرى المجر الكبير بالعديد من المواقع الأثرية غير المُنقبة حتى الآن، منها تل الدوار، تل الكباب، تل العكر، وتل أبو شذر، وغيرها من المواقع التي تنتظر الاهتمام الرسمي والميداني. عانى قضاء المجر الكبير كثيرًا من التغيرات البيئية، وعلى رأسها تجفيف الأهوار، وهو ما أثر بشكل بالغ على خصوصيته الجغرافية والاقتصادية. ويقول الأكاديمي علي حسين إن “الظروف القاسية التي مر بها القضاء جعلته من المدن التي ظُلمت، وكان في مقدمة تلك الظروف التعامل غير المنصف، خاصة خلال العهد البائد، بالإضافة إلى تجفيف الأهوار، لا سيما في ناحيتي العدل والخير، وهو ما شكل ضغطًا كبيرًا على المدينة وأفقدها إحدى أهم ميزاتها البيئية والطبيعية”.